الأربعاء، فبراير 22، 2012

كَعصفٍ مَأكول.

بعيون ثلاثة ارباع مغلقة وبملامحة الاسيوية الباردة..كتب في ورقة بيضاء صغيرة امامه كلمتين فقط:"غرفة النحل".!
ترك الورقة علي ظهرها اخذتهافي صمت .بعد ان اطرقت رأسي معبرة عن شكري .وبخشوع يليق بالوقوف امام (نبع الحكمة ).هكذا كان مكتوباً علي لوح كبير في البهو الكبير الذي كان يتوسطه.
كنت اشعر بثقل كبير في جفوني ,و في ذراعاي. ساقاي لاتقوي علي حملي. راسي ايضا ثقيل .وروحي مطفأه مثل جمرة هزمتها برودة الشتاء . دعتني مُساعِدة السيد( نبع الحكمة) الي الدخول اللي غرفة العلاج.غرفة متوسطة المساحة وبيضاء وخالية من اي اثاث الا كرسي خشبي صغير جدا في الوسط. الجدران مطلية باللون الابيض . توجدطاقتان صغيرتان فقط بالقرب من السقف القريب جداً كأنه فوق رأسي تماماً. الغرفة كأنها كفن أبيض. جلست هادئة. صمت القبور يلف الغرفة. ثم بدأ يتلاشي مع مرور الدقائق سمعت صوت ما يشبه الهمهمة المكتومة . ثم تحول الصوت اللي طنين مكتوم يعلو تدريجيا. انفتحت الطاقتان دفعه واحدة وانسكب منها الاف النحل الصغير_ والبعض منه كبير_ كأنه شلال من الاسلفت الاسود اللزج .سائل اسود كثيف من النحل اخذ يسقط علي الارض وبدأت اسراب النحل سريعا تستعيدفرد اجنحتها متخذة وضعية الطيران ؛لتبدأ الدوران حوالي. اغمضت عينيي تماماً واستسلمت . بعض النحل اخذ يلف حولي ساقيّي والاخر حَطّ علي رأسي والبعض علي وجهي وعنقي تذكرت توصية السيدة ان اهدأ تماماً.

قرصتني النحلة الاولي في رقبتي ؛شعرت بألم رهيب لا يحتمل. لم استطع ان افتح فمي؛ لان نحلات اخري استقرت علي شفتّي وبامكانها الولوج بسهولة الي داخله.!
تحملت ويبدو أن تحملي اغري باقي النحل بالقرص في اماكن اخري ,بدأت حفلةحفلة من القرص المميت ؛ يبدو أن هدفها هو ثقب جسدي كاملاً !سقطت علي الارض في وضع الجنين .. أتمزق من الألم ولا أقوي علي الحركة نحل استقر علي صدري وفخذاي ورقبتي بدأ يحاول دخول عيني واذناي ايضاً.ثم رأيت في سقف الغرفة البيضاء عقلي كأنها شاشة عرض كبيرة او حاسوب اليكتروني عملاق مثبت علي السقف .الرؤية غائمة دخانية ومبهمة تماماً.
مرت دقائق ثم بدأت الامور تتضح قليلاَ.رأيت ادراجاً كثيرة مليئة بالملفات المرصوصة بعناية. جميعها باللون الرمادي كانها رقاقات اليكترونية.منظمة بعناية فائقة .خرجت احدي الرقاقات من مكانها في الشاشة لتأخذ حيزاً اكبر من الفراغ.مكتوب عليها "الألم ": لاشيئ يصل اللي مداه اللي ليعود اللي بدايته تارة أخري..الشباب يستحيل عجزا.. الشمس في وسط السماء تغرق في الليل البهيم. الالم يفقد معناه بالوقت. ثم تمر آية كشريط الاخبار في التلفزيون. كلما نضجت جلودهم أبدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب!
المعني يتسلل يتسلل الي روحي عبر وسيط مختلف وغريب .انها ليست القراءة!اصبح احساس قرص النحل خفيفاً تحول الشعور الحارق بالالم وتلك الكهرباء التي تسري في الاعصاب اللي ما يشبه الوخز الخفيف الي الدغدغة!.
بالرغم من ذلك نجح النحل في دخول اذني وانفي نحلات صغيرة كاليرقات دخلت رئتي التي ظهرت بجوار عقلي علي شكل اشعة طبية بها بعض البؤر السوداء عرفت انها نحل يقتات علي دمي...رقاقة" الذكري" كُشٍط من فوقها خيانة الاصدقاء.انتهاكات الطفولة.وطعنات الاحبة.اثر الكشط جعل قراءة بيانات الرقاقة صعباً بعض الشيئ وان كان ما زال ممكناً!
كنت قد سقطت علي الارض من دقائق والعرض ما زال ساريا علي السقف ارتفعت ملابسي بعض الشيئ. لتسمح لمساحات من ظهري بالتعري وللنحل ان يجد مساحات اخري.عبث النحل بكليتيّي و عمودي الفقري وخلف ضلوعي مواصلاً مهمته المقدسة .وخز شديد يهدأ بسرعه او وخز خفيف ولكنه اقل عنفاَ من قرصات النحل الاولي. خرجت رقاقة اخري علي السقف الابيض اسمها عليها "رقاقة الغضب" حيث الاحداث البسيطة والي المتوسطة يرجي مواجهتها بقدر معقول ومناسب وحكيم من الغضب . كسرقة في مطعم,فقدان هاتف محمول,سيدة بدينة تتصدر سلالم المترو مانعة الركاب من الدخول بسهولة.انسكاب كوب شاي علي ملابس جميلة اثناء حفل,تأخر صديق أو تخلفه عن موعد دون اعتذار هاتفي. سباب من متسول رفضت منحه بعض المال. وفي السطر المدون به احداث متوسطة .. ازمات مادية,مشاهد الحروب في التلفزيون,حوادث الطرق,السرقات,ابتزاز موظفي الحكومة, صفاقة موظفي القطاع الخاص,لزوجة مندوبي المبيعات,الجفاء الزوجي, الاضطرابات العائلية والاسرية.فقدان اصدقاء الطفولة وهجرة اصدقاء الجامعة..
.اما الاحداث الكبري.. مثل الطلاق.الخيانة الزوجية,خيانة الاصدقاء المقربين. وايضا مشاهد الحروب جثث الاطفال والامهات اصوات القصف الجوي علي مدن معزولة. الاحداث الكونية كالفيضانات والبراكين .مشاهد المجاعات أو المرور معاصرتها.. انتهاكات الجنود لحقوق الانسان. التصريحات السياسية الفاجرة. الخوف الشديد علي الابناء , علي الاحبة. رِهاب اللصوص وقطاع الطرق,رهاب المغتصبين والمتحرشين جنسيا.. ثم ذيلت الرقاقة بـ( اقصاء تام للحدث يرجي عدم التعامل معه مباشرة) ! هذا ما افعله تماماً اسمع الموسيقي العالية ايام المذابح.أوانهي احد الدوواين ..ااهد افلاما قديمة بينما يمر شريط اخبار القتلي بالاسفل اختبئ في محارة حين تمر بجواري سمكة قرش.!....ابدأعمودي الفقري يتفتت لم يعد قرص النحل مؤلما بل اصبح خفيفا ولكن اكثر تدميرا.. نهش كبدي وعظام ضلوعي وبدأ يلتهم اذني ولساني!االرقاقة التي ظهرت بعدها فكانت رقاقة"الطريق الخاص"(حيث ان البحث عن الله غاية كل انسان فأن الغاية احيانا تكمن في الطريق نفسه).. .. ان كثرت المظالم غطت الدماء وجه البسيطةو وقل الانس وزاد الوجد وكثر الهم وزاد غضب الله وحل الشك وانقطع الرجاء في الايمان وغابت عن النفس حكمة الله وصاحب اليأس القلب.. واصبح السكر مثل الصحو . والذهب مثل الفضة والموت مثل الحياة. والغني كالفقر. وقل الحظ . وعَظُمَت غلبة الاعداء. ,فأن الحي لا تنفعه الا الارادة . وممانعة النفس عن خضوعها . ومصارعة الشهوةالغالبة. وقهرالضلالة.. واستجلاء عظمة الله . وانتظار التمكين والثبات علي طريق الحق واستجلاء الحقيقة.. وانتظار التجلي والتدلي. لم افهم(حكمة الله ابدا وقليلا ما رأيت عدله ) لكني تيقنت ان له رسائل يرسلها في الوقت الذي لا ننتظرها فيه.. ولم اعد حتي اهتم بمعرفة تلك الحكمة. وأن كنت ما زلت انتظر بعض العدل.
موت القاتل احيانا قد يكون أكبر عقاب للضحية. التي قد تفشل في تضميد جراحها يوما بعد يوم . عالم هو فقط قاتلون وضحايا .مغتصبون وضحايا. منتهكون وضحايا..سارقون وضحايا طغاة وضحايا....عالم من الضحايا.والاخرين في مواجهتهم . لم يعد انتظار العدل امرا يحمل منطقا مثل ركوب البحر ما أن تمر موجة عاتية حتي لا ننتظر ضربت من امواج اخري لا تنتهي احيانا بدون فواصل لالتقاط الانفاس.سكن الالم تماما وانتهي الاحساس بالثقل عادت اسراب النحل الي الطاقات العلوية واظلمت الغرفة البيضاء تماما حين دق جانبي جرس الهاتف.