الثلاثاء، مايو 22، 2018

يوميات التوهان( 1)

استيقطت منذ يومين على اخبار سارة ؛ فاتصلت بزوجي اخبرته بالأمر الذي يخص ابنتنا، اغلقت الهاتف سريعا لم أجد احداً آخر لأخبره، مررت بعدها بمحنة قاسية تتكرر كل عدة أشهر بما يشبه لطمات الموج العاتية. هذه المرة كانت الموجة قاسية بشراسة _ادت على غير طبيعة جسدي_ ان يرتفع ضغط دمي، كنت اشعر بصداع قاتل تاخرت في معرفة سببه ولم اجد أحدا لأخبره أيضا لأسباب مختلفة..
في الحالتين كنت وحيدة تماماً الا من عقلي المنكفيء يومآ بعد يوم على نفسه، لا احد يشارك الفرح معي لا أحد يهتم او بصد معول الحزن الساحق عني . تحسنت لاحقاً سريعا، جففت الملح والدم، ووقفت سريعاً؛ كمن يقف على شاطئ في المحيط يلهو بثمرة جوز هند بعد زوال تسونامي بلحظات. أردد في نفسي c, est la vie. c, est la vie يا ما دقت عالراس طبول يا منمن..
اضغط على ازرار اللاسلكي فأجد رقمها امرر عيني عليه سريعاً وادرب عقلي على التجاهل، الموت يخطف الناس فلما لا يخطف اثارهم ايضا.. أو يمحو ذكرياتهم الحلوة والمُرة على السواء
اقرأ كتابا تصف فيه سيدة رجلا يعيش وحيدا في الغابة، ليس شرسا لكنه كالحيوان يرصد كل شيء كل حركة كل بريق نور، كل كلمة او بادرة احس نفسي اصبت بذات الترصد للآخرين.. ليس ترصدا خشنا دفاعيا.. لكن ترصد قلق مستغن. للمرة الثانية على التوالي تقول لي صديقة "سميعة" مبحبش ام كلثوم أجد ذلك غريبا مستهجنا على السميّعة، تقول أكره قوتها وجبروتها، لا اشعر بتلك القوة الخشنة وانا اسمع " غلبت اصالح" اجد روح الانكسار بادية هزيمة المُحب وخضوعه، احب قوتها ايضا في عز لحظات انكساري تثير غيرتي لأقوى واصمد، احتاج ذلك الجبل الشاهق لاستند عليه لا ارغب في غيمة حزن تخنقني، انا لا احب من لا يحب الست او ربما يبقي ما بيننا مخدوشا للأبد،
غدا 5/16 يخرج اورانوس من مدار برج الحمل وتنقضي سبع سنوات عجاف من حياتي كما يقول اهل الأبراج، لنرى، وهذا بستحق التدوين والاحتفال.. غدا يوم آخر..
_يوميات التوهان.

الأربعاء، مايو 09، 2018

                    


                                      .........

بكلمة" بَلَغني" ذات الوقع الإسطوري يبدأ الروائي الموهوب "طارق إمام "مجموعته القصصية الأخيرة "مدينة الحوائط اللانهائية" الصادرة حديثًاَ عن الدارالمصرية اللبنانية .من اللحظة الأولى نحبس أنفاسنا؛مستدعين حكايات شهرازاد في ألف ليلة وليلة . العمل المؤسس في الثقافة العربية لكل الأعمال القائمة على تقديس قيمة "الحدوتة" الرئيسية المنفردة والمتداخلة مع حواديت أخرى القائمة على الأسطورة تارة وعلى القص الشعبي تارة ثانية وعلى تداخل الموروث الثقافي بالميثولوجي الديني تارة أخرى.عبرثلاثة اجزاء وست وثلاثين حكاية يشيد "إمام" عالمه الخاص  يبني لقارئه جدارية في مدينته المتخيلة في زمنه الخاص جدارية من الحكايات التي حصلت والتي لم ترو بعد, كما تشير حكايته الأخيرة في الكتاب" الحكاية التي لم أكتبها بعد"  في إشارة ان هناك ما لم يرو وربما ما سُكِت عَنه.
 تبدا حكايات الكتاب بتناص مع إسطورة الخلق وبنفس ماركيزي نحن نرى مدينة قررأهلها ان يكونوا إخوة بالدم فهدموا الجدران بينهم, وأقاموا جدرانَا تحاوط المدينة من الخارج لتحميهم من الأعداء, يموت سكان البيت الواحد ويفقد أهلها ساكنا جميعًا كل يوم مخلفاً وراءه بقعةً من الدَم .ثم لا يبقى سوى رجل وامرأة كلاهما قاتل وضحية,آدم وحواء جدد  لكنهم ابناء ميراث من الدم والخوف,  يتكون نسل جديد من الأثنين لكن هذه المرة يبني السكان جدرانًا لا نهائية لتحميهم من أنفسهم ومن الغرباء , مئات من جدران العزلة والخوف والوحدة يعيش فيها سكان المدينة.
في البداية هناك سؤال يطرح نفسه على القارئ بقوة:هل مدينة الجدران بوحدة المكان والزمان والأبطال رواية ام مجموعة قصصية؟
ينحاز"إمام" لتصنيفها  بكتاب قصصي حيث يتصدر الغلاف كلمة قصص, رغم قرب العمل من الشكل الروائي المكتمل, التصنيف النقدي لم يشغلني كثيرًا امام موزاييك مبهر من الحكايات قسمها  "إمام"  الي نساء مدينة الحوائط, رجال مدينة الحوائط , غرباء مدينة الحوائط.
العام النسائي الخاص الذي نراه في المجموهة محفوف بالأساطير نعرف من خلاله معلم المدينة الأهم "جبل" الكُحل" وهو الجبل الذي شديد الزرقة الذي تكتحل منه بطلة الحكاية الأولى"المرأة ذات العين الواحدة". التي يحسدها نساء المدينة على جمال عينيها فيقررن سرقة جبل الكحل الذي يحمي المدينة من الغرباء.في كل حكاية لاحقة نجد تتمة للحكاية السابقة فنساء المدينة ذوات العين الواحدة في" حكايةالمرأة ذات العين الواحدة" والتي تصير نساء المدينة الإكتحال يشبهنها, تصبح نساء المدينة بعد بعدها بعين واحدة بلا حدقات يذرفن دموعاً حارقة على الدوام جزءًا لهن,تذكرني نساء الحكاية بنساء امراة العزيز اللواتي دفعهن الحسد لتقطيع ايديهن حين رأين جمال يوسف محبوب سيدتهن. نساء مدينة الحائط عاشقات وامهات .نساء غيورات, وطيبات ,وسحرات ومجذوبات في "حكاية العاهرة التي باعت شعر رأسها ليلاً"  العاهرة يشيب شعرها كلما مَنحت جسدها لعابر, حتى لا يتبقي لها سوى شعرة سوداء واحدة, ترغب العاهرة ان تموت بشعر أسود مثل قديسة, في اليوم الأخير تمنح جسدها لحبيبها الأول ليعود فجاة شعرها لسابق سواده, الحكاية ليست مقابلة بين الصبا والشيخوخة , الصراع الأزلي الذي تختبره أي امرأة, لكن في قوس اوسع مقابلة بين الطهر والعُهر, الطهر الذي يجعل العاهرة قديسة حين تمنح جسدها للعجوز لأنها تحبه دون مقابل , الحي الذي يعيدها صبية وقديسة.
المرأة في مدينة الحوائط تواجه اختبارات قاسية مجبرة دوماً على التخلي,ذائثة لقسوة افختيار والفقد في "حكاية  المراة التي تغني" تختار المراة مجبرة بين حلاوة صوتها وجمال وجهها ترفض ذلك الاختبار القاسي حتى تفقد الاثنين,  ويطويها الزمن!
 بعض حكايات جزء نساء مدينة الحوائط يتناص مع حكايات أخرى أسطورية ,"حكاية طباخة السم "تحيلنا الي حكاية سنو وايت والأقزام السبعة. بطلة الحكاية تطبخ طعاما لذيذا يأكله شاب حكيم ضريرالعيون يمّر بالمدينة , يرسل الطعام بدوره لبيت السلطة’ يعجب  الأمير بدوره بالطعام ويرسل جنوده لجلب الطاهية الماهرة لكن زوجة أبيها التي تُماثِل زوجة أبي الأميرة سنو وايت تدُس السم في الطعام في طعام الجنود لتتخلص من ابنة زوجها . تستخدم السلطة الفتاة للتخلص من أعدائها ثم تسجنها, لكن الشاب الحكيم الذي يحب الفتاة الماهرة يخلصها من السجن ويبلغ الحقيقة لبيت السلطة لتقبض على زوجة الأب الشريرة ثم يتزوج الشاب الحكيم من حبيبته التي يخلصها من شرور العالم؛ لتسكن قلبه وتصير عينه.
أما الجزء الثاني "رجال مدينة الحوائط" ينبش فيه "إمام" معالم عالم الذكورة الأسطوري والذي  يظهر مختلفاً عن عالم النساء. رجال المدينة ,يواجهون شراسة الوحدة,يبحثون عن ذواتهم , عن صورتهم وعن تحققهم الشخصي حتى داخل المتن الخرافي والمجازي.في "حكاية الرجل الذي قرر ألا يصير وحيداً يتهشم الرجل الوحيد للألاف الأجزاء حين قرر ان يضع مرآة في بيته لتنعكس عليها صورته! الرجل الوحيد يقابل ذاته حين تجتمع قطع الرجاج مكونة آخر, يلتقيه الرجل الوحيد الذي اختفى مع اختفاء صورته ,رجل من لحم ودم لا يراه الناس وصورة يتعامل معها الناس كأنها حقيقة يقول "إمام"
:  (لابد ان يموت احدنا حتى لا يصبح واحد منا صورة من الآخر , انت شخص حقيقي من لحم ودم ولكن احداً لا يراك, وانا مجرد شبح,صورة,لكن الجميع يرونني ويتعاملون معي على انني كائن حقيقي.هتف الرجل:لكن لو مات احدنا لن يعيش الآخر.قبل ان يجيبالآخر قفز الرجل واحتضنه انطبق جسداهما واتحدا, بعد لحظات من الشعور بالألم والشعور بالذوبان والاحتراق, صارا جسداً واحداً وعاد الرجل الوحيد مرئيًا ليبدأ حياة جديدة).

 في الجزء الثاني رجال مدينة الحوائط" هناك استلهام ايضا من الموروث الانساني العام والواسع ومن الميثولوجي الديني أيضا في "حكاية ظل الشيطان"  يتعرض طالب العلم لغواية الشيطان الذي هوبلا ظل ويقع في الخطيئة حين يعشق زوجة معلمه,ويقع المعلم أيضاَ في عشق اخت تلميذه وحين يهم أحدهما بالتطهروالاعتراف للآخريقول إمام في نهايته الفارقة" هرول الفتى باتجاه بيت معلمه فور قراءته للرسالة, والأمر نفسه فعله معلمه , فكر كل منهما في خيانة الآخر له ولم يفكر  في خيانته. في منتصف المسافة التقيا, وماهي إلا لحظات لحظات حتى امتزجت دماؤهما , بينما كانت زوجة المعلم تمشي على مقربة منهما بلا ظل"هل تستدعي الحكاية غواية حواء لآدم منذ بداية البشرية. هذا الاتهام المسلط على رقاب بنات حواء منذ الأزل, هذا الوصم الذي دعمته  الديانات الابراهيمية بشكل وبآخر عبر ميراث طويل ونصوص ملزمة  تترك تلك الإجابة للقاريء,وفي حكاية الحطاب وذيل الثعبان عودة للتاكيد على غواية المراة للرجل التي تحتل حيزاً كبيرا من هذا القسم, فالفتاة الجميلة تغوي الحطاب الذي يحبها بقبلة طويلة يستسلم لسحرها,ثم تستل فأساً لتشطره نصفين وتتحول إلى ثعبان رمز الشر والخديعة منذ الأزل, هذه الرمزية التي لا يخطئها القارئء هي النظرة الذكوريةللوجود الانثوي عبر التاريخ , وهي المقابل للنظرة النسوية للوجود الذكوري المرتبطة بالقهر والقمع والتسلط
الجزء الثالث عن غرباء المدينة فهم ملائكة وقباطنة وقراصنة ورجال من الورق المقوى ؛نغرق مرة ثالثة في مزيد من الفانتازيا والأسطرة في "حكاية هبوط الملاك" يسقط ملاك من السماء يتقاتل اهل المدينة على الدنانير الذهبية المتناثرة حوله , يسيل دمه الذي يصير لعنة على كل القتلة اللذين تصيبهم لعنة فيقتل ابناءهم بشراسة ويودعون قبورهم دون وداع يقتل الملاك قتلته ويعود إلى السماء ثانية بطائرة تحمله في عمق الاسطورة والغرائبية يركب الملاط طائة , حيث للحكاية متنها  وقانونها الخاص الذي يحملها من عمق القرون الوسطى صوب الحداثة في  نفس الحكاية, اما في "حكايةقراصنة نهاية العالم" أقصر حكايات الكتاب يقول "إمام"(بلا بحر ,بلا أعداء يجردونهم من سفنهم . فيسألون: أي رعب أكثر قسوة من أن تكون عدواً للأحد؟). ينهي إمام حكاياتهذات اللغة التي تتراوح بين الحداثة والشعرية, بين البساطة والجزالة _ بحكاية يتمنى كتابتها حكاية رجل بلا ذاكرة. فهل يعدنا بجزء ثاني من الكتاب أم يشيرإلى أن جعبته كحكاء ماهر لم تنفذ بعد؟
الفن شريك اساسي في صناعة كتاب إمام العاشر "مدينة الحوائط اللانهائية"في واجهة كل قصة من الكتاب لوحة فنية وفي داخلها رسومات صغيرة منذ الكلمة الأولى قام بها الفنان السوداني"صلاح المُر"التي استمرت لما يزيد عن ستة أشهر لتصنع تواشج بين الحكي والرؤية البصرية. أما الغلاف فقام به الفنان عمرو الكفراوي مزيج بين رسوم المر وكتابة إمام في تجربة فريدة ومبدعة تستحق الإلتفات لها بشدة.
..........
نشر بالمدن

الخميس، مارس 08، 2018

قراءتي في رواية "حشيش سمك برتقال" بجريدة اخبار الأدب المصرية

حشيش سمك برتقال:أبطال بلا أسماء وجوع لا سبيل لإشباعه!
        ____________

ثلاثة أشخاص بلا أسماء يجوبون شوارع القاهرة بسيارة متهالكة، و بلا هدف سوي التنّزه، متجاوزين ميدان التحرير في وسط المدينة برمزيته، مارين علي باعة البرتقال ينهلون من حلاوته. هل هذا هو الحب؟ منتهي الحب؟ أم هذا لاشيء؟ إنه السؤال الذي تطرحه الكاتبة الشابة هدي عمران في روايتها الأولي »حشيش سمك برتقال« الصادرة عن دار الساقي هذا العام وبمنحة من الصندوق العربي للثقافة والفنون «آفاق»، بإشراف من الكاتب جبور الدويهي .
الرواية من ثلاثة فصول وتدور أحداثها عن بطلة مجهولة، امرأة بلا اسم ولا ماضٍ، فماضيها نسيته تماماً، تبحث عن سكن ووظيفة شأن ملايين القاهريين والقاهريات. تبحث عن أربعة جدران وغرفة ولقمة عيش، امرأة خائفة ووحيدة وجائعة. تحصل البطلة المجهولة علي غرفة في بيت امرأة أخري تطلق عليها عمران المرأة الإوزة.هي أيضًا بلا اسم. وكذلك كل أبطال الرواية مجهولون بلا أسماء أو بأسماء كودية، أبطال مهمشون تجمعهم المدينة الشرسة، وينامون بين فكيّها كل ليلة، المكان شارع ضيق حيث تستأجر البطلة غرفة في الطابق السادس عند امرأة غريبة، تكتب مذكراتها المقتضبة بين الحين والآخر.تحصل البطلة علي غرفة بسريرين متقاطعين، تنمو بين الاثنين علاقة خافتة حذرة أقرب للترقب. البيت في شارع قريب من ميدان التحرير. وفي أحد الشوارع الموازية يوجد سوق لمختلف أنواع الأسماك، السوق فيه محل للأنتيكات والتحف حيث رائحة السمك تعبق الجو، يصدح من داخل الدكان فونوغراف بأغاني أسمهان وإديث بياف اللتين تغنيان للحب،  البطلة المجهولة يذكرها السمك بالحب، تحب أكله وتحب الكلام مع الغرباء عن الحب. إنه الجوع في صورته البدائية، النهم للحب بشكله الحسي والروحاني، محاولة لكسر الوحدة والمشاركة مع الآخر. بشكل غير متعمد تري البطلة صاحبة البيت في أحضان صاحب دكان التحف. تشاهد مضاجعة آلية بين الاثنين، تطرح عليها الكثير من الأسئلة. تفتش البطلة المجهولة خلسة في مذكرات صاحبة البيت  لتكتشف أنها تتحدث عنها وعن صديقها الذي تسميه اسب .صاحبة البيت لا تأكل السمك،  تكتفي بالأرز فقط.  هي لا تعرف الحب أيضاُ، تعرف جنساً جافاً خاليا من الإشباع .
بخط أفقي وبلا أحداث متصاعدة مثل أفلام المخرج الأمريكي جيم جارموش رائد السينما الأمريكية المستقلة الذي عرف عنه الاهتمام بتفكيك خفايا الطبيعة الانسانية، حيث فشل التواصل هو ما تتفق عليه شخوصه، برغم اختلافها الظاهري وتنوع دوافعها تمضي رواية «عمران» لنهايتها.
> > >
كما يرمز السمك في الرواية للإشباع والحب، فالبرتقال يرمز للارتواء والسعادة ،تحرص البطلة المجهولة علي التهامه بنهم، رغم ضياعها بين البيت والسوق ومحل الأنتيكات وشوارع القاهرة فهي تعود للبيت عند نفاده. تتشارك المرأتان في فعل الأكل، تيمة الجوع برمزيتها تغطي مشاهد كثيرة. فعل الأكل مغرق في حسيته  خاصة عندما تتشارك المرأتان أكل «المسقعة»، وإن كانت البطلة أكثر إقبالاً علي الطعام وعلي الحياة، بينما صاحبة البيت تترك سمكها للتعفن والفساد.
تقول  البطلة التي تحوطها الوحدة في المدينة والبيت:«رقدت علي جنبي، فأصبحت الصورة داخل البرواز أمام عيني. يظهر منها في الظلام كتف المرأة الأصفر فقط.قلبت الصورة علي ظهرها، وأدرت برأسي المخدة أكثر وأغمضت عيني. كنت أشعر بالخزي الشديد، بالوحدة في البيت أكثر من أي وقت مضي. زاد علي إحساسي الوحدة التي تتسع وتبتلعني في هذا البيت.كأنني دخلت صورة فوتوغرافية في برواز أكبر من حجمي بكثير، كنت أقف في منتصفه، فأبدو مثل نقطة صغيرة في فراغ شاسع».
تدورعمران بين مشاهد رواياتها بكاميرا سينما، وبشاعرية فائقة لترصد  لقاء البطلة  بشبان غرباء يجمعهم العطش والسأم والوحدة، في أحد الشوارع  تدخل سينما لتتعرف علي مجموعة من الفتيات والفتيان لا رابط بينهم، تسميهم «شباب السينما» يتشاركون مشاهدة أحد الأفلام وأكل البرتقال الذي تحمله البطلة في كيس وهي تتجول في شوارع المدينة، ثم يدعون الفتاة للقدوم لبيتهم لمشاركتهم حفلاً.
تنتقل عمران إلي مشهد حالم وشاعري آخر، فالبطلة تطوف سوق السمك يمزقها الجوع. تسير وراء الرائحة فتدخل أحد البيوت لتصعد طابقه الثاني، تجد صبياً، سبق وباع لها سمكة، يقلي السمك في قدر كبير ويوزعه علي آلاف  من البشر، الجميع يبحث عن الإشباع، الجميع يبحث عن الحب. الجميع يتحلقون حول الأمل. تحصل البطلة علي رغيف مليء بالسمك الصغير تحصل دوما علي نصيب قليل من الحب والطعام كما نعرف في تطور السرد لاحقا.
> > >
تقول عمران يتحرك الشارع معي.  وأنا أتحرك معه  نحن صديقان حميمان، فألقي ذراعي فوق ذراعه ويلقي ذراعه فوق ذراعي.  أتأبطه ونسير، الكاميرا في جيبي،  والنقود في الجيب الآخر، وجوعي في بطني  يتحرك مثل دودة. فأصبح أنا والشارع ودودة الجوع أصدقاء.لاأستطيع أن آكل حتي لا أضيع أحد أفراد الرفقة ثم، ثم ماذا؟ آه.كنت أمشي بخطواتي الواثقة. أري العيون اللامعة المحدقة من بعيد وأضحك، الضحك صديق رابع. أحثه علي التعبير عن ذاته. فأضحك وأضحك. وأشير إلي الأجساد الملتفة حول منضدة وحيدة مشغولة أمام المقهي.
تبدأ صداقة بين البطلة وشبان السينما الذين، مثل باقي شخوص الحكاية، بلا أسماء تطلق عليهم أسماء في عقلها «مستر إكس، أبو شامة، البيضاء، السمراء» في هذه المرحلة لا نستطيع أن نتجاوز ببساطة إغفال الكاتبة لأسماء الشبان، بل تفعل ذلك بوعي متعمد، فلا حاجة لمعرفة أسماء من هم مجرد غرباء عابرين.
تتشارك البطلة سجائر الحشيش مع شبان السينما.حشيش تعيد به اكتشاف ذاتها مرة ثانية. يلف مستر إكس السيجارة ثم يمررونها علي بعض، تمارس البطلة مع «أبو شامة» جنساً أكثر روتينية وبروداً من ممارسة صاحبة البيت ورجل محل التحف في المشهد الأول، جنساً لا يحرك مشاعرها ولا جسدها، لا يثير إلا الضحك. ضحك الخيبة والاغتراب.
> > >
تتوتر علاقة البطلة برباعي شبان السينما بين الحب والخوف والكراهية، تخرج للشارع تجد مدينة القاهرة مصبوغة حمراء وحميمية وكابوسية.جدرانها ملطخة بالجرافيتي المقشر ومليئة بسلال العيون النازفة، ولا تخفي الدلالة هنا علي الثورة النازفة دماء وعيوناً وأملاً.
تخرج البطلة مع شبان السينما للمرة الأخيرة في نزهة. تجعلهم يقلونها للبيت،  تصف الرحلة بأن السعادة «أن تركب سيارة مع مجموعة من المجانين». تذهب لنقطة البداية. صاحبة البيت علي حالها لكن العودة  تجعلها تري علاقة مختلفة هي فيها الطرف الأقوي بين الاثنين، امرأة قادرة علي إذلال المرأة صاحبة البيت، وعلي غواية الرجل صاحب محل التحف واللعب بمشاعرهما. فهي  بعد تجربة علاقتها بشبان السينما أكثر ثقة وسعادة.
تستمر الأحداث وتستمر رحلة البطلة بين سيارة شبان السينما والسير في شوارع القاهرة المدينة القاسية ومشاركة الحشيش واقتسام الغربة.
الفصل الثالث تعود البطلة للبيت. من الممكن أن نطلق عليه «فصل التطهر»، تغتسل وترتمي في حجر صاحبة البيت مبتلة مصابة بما يشبه الحمي، يحاول جسدها أن يلفظ المخدر والجنس الرتيب والخوف والقلق.
تأتي خاتمة الرواية المفاجئة التي تدخرها لنا «عمران» حين ترتكب البطلة جريمة قتل. قتلت من؟ ولماذا؟ ولماذا تتواطأ إحدي الجارات علي حمايتها وتهريبها؟ هذا ما نعرفه في الصفحات الأخيرة . والتي تنطلق بعدها البطلة في رحلة بسيارة ستينية يقودها رجل دكان التحف وصاحبة المنزل في شوارع القاهرة موطن الحكي والخوف والجوع والبحث عن الحرية، ينطلق الثلاثة عابرين ميدان التحرير إلي أين؟ يسأل الرجل المرأتين، تجيب البطلة إلي كل شوارع القاهرة!
نشر في أخبار الأدب هنا    3_3_
2018

الثلاثاء، فبراير 27، 2018

الشاعرة ريتا دوف قاصة لتاريخ المواطنين الأفروأمريكان

كانت الشاعرة الأمريكية ريتا دوف وزوجها، الروائي الألماني فرد فايبان، يعملان في غرفتين منفصلتين ببيتهما عندما أبرقت السماء. وبرغم أنهما لم يصابا بأي أذى، شاهد الزوجان، في حالة عجز عن عمل أي شيء، ألسنة اللهيب امتدت من الطابق العلوي (السندرة)، واحترق الطابق الثاني في البيت مما أدى إلى إلحاق ضرر بالغ بالبناية بأكملها، وإتلاف المخطوطات والصور الفوتوغرافية وملفات الكمبيوتر وقدر كبير من مجموعتهما الفنية المحببة.
ولا غرو أن يدمر الحادث للزوجين نفسيتهما. وتتذكر دوف: "في نهاية هذا الأسبوع المفجع، زارتنا مجموعة من جيراننا ومعهم تذكرتان لحضور حفل عشاء خيري راقصاً. وقالوا "لقد آن الوقت لكي تخرجا من الرماد. ريتا، اذهبي واشتري فستاناً فرد، اشتر تكسيدو. سوف نرقص". ثم قالت: كان ذلك أفضل شيء كان يمكن أن يفعلوه، لأنهم أظهروا لنا أنه كان لا يزال هناك جمال في العالم، ومتعة واستهتار
"
 
 هكذا تصف ريتا موقف كاشف لشخصيتها ولتعاطيها مع كونها امرأة أمريكية من اصل افريقي , هذه القوة والمحبة للحياة بالاضافة إلى الطاقة الإبداعية الهائلة مكنتها تلك العوامل من الوصول لجائزة البوليتزر الامريكية في1987 كما شغلت العديدة من المناصب الهامة،كان منها منصب مستشارة لمكتبة الكونغرس بين عامي 1993-1995 ومنصب الشاعر كومنولث فيرجينيا في شارلوتسفيل. ‏
 نالت أيضا لقب شاعر الولايات المتحدة وهو منصب يحاكي نظيره الإنجليزي الذي يسمي شاعر بلاط المملكة المتحدة.هذا المنصب يمنحه الكونجرس لأحد الشعراء هذا المنصب يمنح بالانتخاب بين الشعراء والنقاد في الولايات المتحدة و ومن مهام صلحب المنصب زيادة وعي الناس بالشعر
على ملك الشعراء أن يقرأ محاضرة سنوية وشيئاً من شعره، وعادةً ما يقدم شعراء جدد خلال السلسلة السنوية الشعرية للمكتبة. بدأت سلسلة القراءات الأدبية الشعرية والنثرية والمحاضرات والندوات في أربعينات القرن العشرين، وقد أحضر ملوك الشعراء مجتمعين أكثر من ألفي شاعر ليقرؤا شعرهم في المكتبة..
يضفي كل شاعر في هذا المنصب لمسته الخاصة عليه. فعلى سبيل المثال، طٌرح يوسف برودسكي فكرة تقديم الشعر في المطارات والفنادق، وكانت غويندولين
 تلتقي مع تلاميذ المدارس الابتدائية وتشجعهم على كتابة الشعر.
نالت ايضا ريتا دوف جائزة بوليتزر للشعر, وهي من أهم الجوائز الثقافية   في الولايات المتحدة, والتي تمنحها جامعة كولومبيا ضمن فروع أخرى مثل الصحافة والدراما والموسيقى. وهي الجائزة التي سميت علي أسم الصحفي الأمريكي _المجري جوزيف بوليتزر, تتذكر ريتا دوف ذلك اليوم البعيد في سنة 1987 _حين استلمت الجائزة _ بإنه كان يوم بالغ الاهمية وانها اشترت لذلك اليوم فستانا من اللون الأزرق الفاتح وقام زوجها فريد فابيان بتصويرها من خارج قاعة الاحتفال حتى الكرسي المخصص لها في القاعة عن طريق كاميرا فيديو محمولة علي الكتف, وانه ابقى التصوير متواصلا طوال الحفل, تقول ريتا ان صديقها اغسطس ويلسون  الذي كان يكتب الشعر نال تلك الجائزة عن الدراما , وكتب لها قصيدة مخصوصة لذلك اليوم, وتقول انها كانت وقت استلام الجائزة انها كانت تسير على سحابة من التبريكات والتغطية الإعلامية وان الغذاء هو ما جعل حفل استلام جائزة البوليتزر حقيقيا وبشريا..
نالت دوف البوليتز أشهر مجموعاتها الشعرية "توماس وبيولا"، وهي مجموعة قصائد عن حياة جد وجدة الشاعرة، في 1987. وكانت دو ثاني شاعرة، أو شاعر أميركي أفريقي يحصل على جائزة بوليتزر، وفي 1999، أُعيد تعيينها كمستشارة خاصة في الشعر لمكتبة الكونغرس عن المدة 1999 ـ 2000 وهما سنتا الاحتفال بمرور مائتي عام على إنشاء مكتبة الكونجرس. وهي تقوم بالتدريس في جامعة فرجينيا منذ ذلك الحين..
عندما ندخل إلى عالم ريتا دوف الشعري  لنعرف  أهم ركائز مشروعها الإبداعي نلاحظ انها ترتكز على  ركيزتين هامتين, الأولى هي ما فرضته عليها الحياة كونها امريكية ملونة تعّرف بأنها امرأة سوداء, وبأنها قاصة لتاريخ المواطنين الأفرو امريكان بكل ما يحمله من معاناة في الولايات المتحدة وخارجها.
كتبت الشاعرة ريتا دوف في كلمة لها عن «لغة الحياة»: " بقدونس" ، قصيدة مبنية على ما حدث في جمهورية الدومينكيان عام .1937 الجنزال رافائيل تروجيلو، الديكتاتور في ذلك الحين، اختار أن يقتل 200 ألف من سكان ولاية هاييتي السود الذين يعملون في حقول قصب السكر جنباً الى جنب مع أهالي الدومينيكان, فعل ذلك بطريقة مزرية جدا ومبتكرة. الهاييتيون يتحدثون فرنسية أوروبية تخص المونيين، خلافا للإسبان، الذين لا يلفظون حرف الراء جيدا فيبدو للسامع كما لو أنه لام . تروجيلو فرض على كل العمال التلفظ بكلمة بقدونس. وكل شخص نطق الكلمة باللام بدل الراء، تم قتله. لقد جعلهم يلفظون كلمة موتهم. هذا القبح الفظيع هو الذي أخذ جلّ اهتمامي.. ... وتقول أيضا عن اختيار هذه القصيدة للالقاء في البيت الأبيض: هنا في البيت الأبيض، في مكتب السلطة العليا، أردت أن أتحدث عن استخدام السلطة. وكذلك أردت أن أتكلم عن مدى أهمية أن نضع أنفسنا في ثوب الشخص الآخر في أي درك من دروب الحياة. في هذه القصيدة، حاولت أن أساعد في فهم مسألة: كيف وصل تروجيلو إلى هذه الكلمة، ليس فقط كي أقول كم كان ديكتاتورا رهيبا، بل ليتسنى لنا نحن أن نلاحظ بأن الشيطان أيضاً يستطيع أن يكون مبدعاً.... (نيويورك، دبل داي، 1995). هنا القصيدة كاملة وتتألف من فصل أول حول حقول قصب السكر التي كان يعمل فيها ضحايا الديكتاتور، وفصل ثان تصف فيه الديكتاتور في القصر. وكاترينا، وهي والدة الجنرال الديكتاتور
مثل ببغاء يقلّد الربيع،
نرتمي أرضاً صارخين والمطر يرشقنا صافعاً
فنبزغ خضراً. لا نستطيع أن نلفظ حرف الراء
قصب السّكر من المستنقع يظهر للعيان
وهناك الجبل الذي نسميه همساً كاتالينا.
الأطفال يقضمون أسنانهم، فتستحيل مدببة كرأس السهام.
هناك ببغاء يقلد الربيع.
Perjil
الجنزال المعظّم وجد كلمته: بيرجيل  
من يلفظها، ينجُ. إنه يضحك، أسنانه تلمع
في المستنقع ظاهرة للعيان. قصب السّكر
في أحلامنا، تسوطه الرياح والسيول.
ونرتمي أرضاً. من أجل كل نقطة من الدم
هناك ببغاء يقلد الربيع
..
تقول  ريتا دوف عن المسافة بين الواقعه التاريخية و المخيلة الروائية التي اكتنفت النص: الحقيقة الشيء الوحيد في القصيدة هو نتيجة البحث عن حقيقة تورجيلو الذي تسبب في هذا الحدث، وحقيقة أن أهالي هاييتي كانوا يشتغلون في حقول قصب السكر. وأيضاً الناس الذين لا يستطيعون أن يلفظوا حرف «الراء» فتخرج كما لو انها «لام» فتقرأ «كاتالينا بدلا من كاترينا». لكن ما تبقى من النص، وما يحدث في ذهن تورجيلو ومحاولته في أن يجد طريقة لقتل أحد ما، فهذا من إبداعي..
..
 اما عن قصائد ريتا دوف المتوهجة بالحسّية الناعمة. فقد ابدعت في عدد من القصائد والمجاميع الشعرية  من اهمها واجملها قصيده "بوليرو"
تقول دوف : (هذا ليس الصوت المتصاعد لآلات/الموسيقي رافل/بل هو عبارة/عن شغف اعتق/وأمضى: امرأة ذات وركين تدرك متى تحركهما،/ولا تخفي شيئاً/سوى الألم/الذي تصطحبه معها فيما تغوص، تحف بجسدها، ثم ترتفع/ثانية بحلاوة صوب ذراعيه/ليست/رقيقة. ليست مدجنة. مغنية البلوز بسي سميث في حلم الأيام الخوالي/تشدو "ألا ترى؟"./مكبوحة ليس كما الممثلة في ظهورها الأول،/ولا كما العروس التي تتظاهر/انها تفهم كل الحكاية/كيف حدث ان كل شيء يؤلم! كل دفق صوب اصبع/قدم نابض،/ذاك النزول المتطاول/صوب الأرض،/صوبه (يا لمَ فعله الحب وضنى القلب بي),/جسدها شرس،/نباح مروع من لحم الجسد/هي تعبده ـ وهو يتذوق ذاك الوله، هذا/الرجل مغرم بالنظرات./تشعر بنظرته/بتنهيدته/وتتحرك، تتحرك معه على ايقاع الموسيقى ضمن/الحيز المخصص لهما،/المضاء على طول الأرضية الخشبية)..
كذلك قصيدتها "قميصه" التي تتخلى فيها عن الغموض والاحالات التي كثيرا تلجأ لها في لعبها مع القارئ فتقول دوف": ( لا يكشف ألوانه الحقيقية/ أزرق ومن قماش عادي/إلى حد ان أيا كان في إمكانه شراؤه/ أنا وحدي أعرفه/ قميصه/ وفي بعض اوقات النهار فحسب/عند الفجر هو راية وسط ساحة/ ينتظر التقاط نور البرد/ ومفتوحا/ يتحول شراعاً فجأة / فرح لا يحد)
 وتقول دوف في قصيدة علمنا ان نعد ايامنا : ( في الجوار العتيق,كل جنازة رواق/ كل رواق اتقن صنعه من سابقه/ الأزقة تعبق بروائح الشرطة وبالمسدسات المرتطمة بالأفخاذ/ كل حجرة مسلحة برصاصة ناعمة/شرفات رخيصة الأجرة ترتص صاعدة نحو السماء ولد يلعب الغميضة مع قمر/ وخطته هوائيات التلفزة والأحلام).



ان شعر دوف، كما تشير موسوعة "الدليل إلى الشعر الأميركي في القرن العشرين"، يتجنب إصدار أحكام خطابية بشأن التفرقة العنصرية، وبدلاً من ذلك، تعبّر دو من خلال شخصيات فردية، وأحداث معينة، كيف تشكل هذه الأحداث حيوات وعقول الشخصيات
إن تنوع الموضوع من شعر دوف يذكر القارئ بأن الكاتب الأميركي ـ الأفريقي لا يحتاج إلى ان يختار بين الانخراط الاجتماعي والوعي التاريخي، والخيالي والمتعدد الثقافات والذي يُعرف في الغالب بالحداثة. وتقول الناقدة تيريز ستيفن "إن عمل دو يوثق ويُثري الأدب الأوروبي الأميركي والحوار الإنساني. ودمجت دوف خلفيات أميركية ـ أفريقية، وألمانية ويونانية بصفة خاصة، آسره ومثمره.
 
النقاد الأمريكين أيضا يميلون الى  الثناء على الكتاب الأفروأمريكان باعتبارهم مواطنين امريكيين, معنيين بالفن والثقافة واـكثر من كونهم معنيين بكونهم أصحاب مظالم اجتماعية ومتحدثين في قضية التمييز العنصري

 لكن حصلت دوف على أكبر مديح عن كتب تتناول القضايا العنصرية بعمق.
 مجموعتها الشعرية "توماس وبيولا"لهاخلفية اجتماعية لانعدام المساواة والتوتر العنصري، بينما تحكي قصص حياة الجدّين. وفي "روست بوسوم" يقرأ توماس لأحفاده من دائرة معارف، حاذفاً التفاصيل العنصرية مثل ادعاء الموسوعة أنه برغم أن الأطفال السود كانوا أذكياء "طمس هذا الذكاء من سن البلوغ، جالباً/ انعدام الهدف والكسل". وفي "قصور فرساي العظيمة، تؤدي قراءة رواية أحد كتب المكتبة عن كيف كانت النساء الفرنسيات يتغوّطن في حدائق فرساي الجميلة إلى تعميق ازدراء بيولا للناس البيض بينما كانت تقوم بكي ملابس لزبائن بيض: ليس هناك أسوأ من شخص أبيض// تهمهم في غرفة قياس الملابس// بمحل شارلوت. وتتناول مجموعة "في الباص مع روزا باركس" التي أثنى عليها النقاد، بتوسع كبير شخصيات وأحداثاً لها علاقة بحركة الحقوق المدنية، وبصفة خاصة مقاطعة ركوب الباص في1955 ـ 1956 في مونتجمري، ولاية ألاباما
.

.

مجموعتها الشعرية الأولي (البيت الأصفر عند الزاوية) صدرت عام 1980 وتضمّنت موشوراً عريضاً من الموضوعات اللائقة بمشروع شعري متأهّب متوثّب: قصائد غزل، حكايات رومانسية، ترحال في الزمان والمكان، سياقات حُلُمية، وشذرات أخّاذة في امتداح تفاصيل الحياة في كنف أسود. مجموعتها الثانية صدرت بعنوان (معرض) (1983)، ولم تبدّل دوف موضوعات هذا الموشور العريض ولكنها (صبّرتها)، إذا صحّ القول، في (معرض لمحتويات الذاكرة وغبار الحرب والترحال بين الشرط والتاريخ). ثمة أسماك في الحجر، ونمل صاعد إلي سماء كورنثيا، وصبيّة اسكندرانية توبّخ الإمبراطور الروماني، وزوجة صينية تعلّم زوجها فنون الحياة، وثمة غنائية رهيفة لصيقة بالقصيدة أنّي ذهب موضوعها. وتخفيض صوت هذه الغنائية، ثم أخذه جهة الملحمة، سوف يكونان أبرز مشاغل ريتا دوف وهي تكتب قصائد مجموعتها الثالثة توماس وبيولا التي يعتبرها الكثيرون أهمّ أعمالها. وتوماس هو جدّ ريتا دوف، وبَيولا هي جدّتها، والقصائد تروي حكايتهما مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ مطلع القرن، في حلقات شعرية ـ حكائية، مترادفة ومتشابكة وبانورامية، تُروي في قسمَيْن: على لسان الجدّ أوّلاً، ثم الحكايات ذاتها من منظور الجدّة.

وقد أصدرت دوف بعد ذلك الأعمال التالية: (الأحد الخامس) (1985) وهي مجموعة قصص قصيرة، (هوامش الحُسْن) (1989) مجموعتها الشعرية الرابعة، (عبر البوّابة العاجية) (1992) وهي روايتها الأولي، بالإضافة إلي مسرحية بعنوان وجه الأرض اكثر سوادا 1995
دارت معركة كبيرة بين الناقدة  هيلين فندلر وبين ريتا دوف بسبب انطولوجيا الشعر الذي اصدرته ريتا دوف عن دار بينغوين , وحملت  فندلر علي دوف كون الأنطولوجيا معبرة عن التنوع الثقافي وعن الأقليات العرقية واللونية قالت فندلر: ان من بين عشرين  شاعرا ولدوا في الفترة الواقعة بين 1954 و1971، هناك خمسة عشر شاعرا من الأقليات من الهسبانيين ذوي الاصول اللاتينية أو الاميركيين السود أو الهنود الحمر أو ذوي الأصول الآسيوية وخمسة شعراء فقط من البيض شاعران وثلاث شاعرات.
 وقالت فندلر ان صاحبة الانطولوجيا دوف بتغييرها التوازن معيارا جماليا شعوبيا تعبر عنه في التقديم". وان دوف تشعر ملزمة بالدفاع عن الشعراء السود الذين ضمتهم الى المختارات بتفخيم لغوي.
وردت دوف متهمة فندلر بالعنصرية والاستعلاء ومجافاة الحقيقة في نعت الانطولوجيا بأنها تضم في الغالب شعراء ذوي مفردات محدودة. وكتبت دوف في نيويورك ريفيو اوف بوكس انها لن تسمح لفندلر ببناء بيتها من الورق على أباطيل واراجيف
. وان "ما في مراجعة هيلين فندلر من قسوة ومرارة يشي بأجندة تتعدى الجماليات. وهي نتيجة لذلك لا تفقد استيعابها للحقائق بل تفقد لغتها التي كانت في السابق موضع اعجاب..... بتأرجحها من المثل الى المثل المضاد مخطئةً المرة تلو الأخرى في قراءة الغاية. وسواء أكانت مدفوعة بغضب اكاديمي أو الأسى الجامح لدى شخص يشعر ان العالم غدر به، ظنت فندلر انها تعرف ـ كم هو حزين ان نشهد ذكاء متألقا يتهاوى بمثل هذا الأداء الأخرق".
قالت دوف ان انتقادها بسبب عدد الشعراء ذوي الأصول العرقية المختلفة الذين ضمتهم في الانطولوجيا يشير الى ان الولايات المتحدة ليست مجتمعا تخطى العنصرية وانه "حتى من يُسمَّون ليبراليين اذكياء حساسيين يصفون انفسهم بالانسانية كثيرا ما يكونون اسرى مفاهيمهم المسبقة في الطبقة والعرق والامتياز".
وخرجت المعركة الأدبية عن دائرة السجال الثنائي بين دوف وفندلر بدخول شعراء وكتاب اميركيين على الخط بين مؤيد ومعارض. وقالت مجلة كرونكل اوف هاير ايدوكيشن ان الأوساط الشعرية الاميركية لم تعرف معركة أدبية كهذه منذ عام
2004
 وقد  تسلمت دوف ميدالية الفنون من الرئيس الأمريكي باراك اوباما في العاصمة واشنطن فيما يسمي القاعة الشرقية بالمبني الرئاسي لما قدمته من اسهامات هامة في الشعر الأمريكي.

كتبت:أماني خليل
الترجمة:
 قصيدة بقدونس ترجمة: جاكلين سلام
سوريا/كندا
علمنا أن نعد ايامنا:صبحي حديدي
قميصه: موقع كتب
بوليرو:فوزي محيدلي المستقبل اللبنانية
نشر بأخبار الأدب المصرية هناالشاعرة ريتا