الأربعاء، نوفمبر 07، 2012

رسالة الي" ست الحسن"

عزيزتي غادة
بعد التحية والسلام ارجو ان تصلك رسالتي هذه وانت في اتم الصحة والعافية.
هذه التحية  التي علمتني اياها مدرسة اللغة العربية في الصف الثاني الاعدادي ولا انساها...كما لا انسي اشياء اخري عديدة لا ينبغي نسيانها.
لا اعلم طبيعة الخطاب الذي قد تكتبه امرأه لاخري. لكن اعلم انه شيئ "شديد الخطورة" و"بالغ التعقيد", كما هي العلاقات تماما بين امرأتين.طبيعة لا تخلو من مقارنة ومنافسة وغيرة ورغبة مؤلمة في البوح .وكشف الذات وتعرية الجروح. وثقب الكفوف وخمش العيون .
لم نأكل الزلابيا ولا الكشري معا يا عزيزتي. لم نشرب الشاي بالنعناع في فراندة بيتك او في شباك بيتي. لم نزر قهوة بلدي او زنقة الستات لنشتري الكحل الأخضر وزجاجات المانيكير سوا. لم ننسق حواجبنا سويًا. لم اعلمك الرز بخلطة الذي اجيدصنعه ولم تعلميني كيف ترسمين رسوماتك البديعة.
 رأيتك مرتين احداها كنت مريضة جدا . والاخري وسط لفيف من الاصحاب. لكن اعرف المرأة من نبرة الصوت
,من اهتزازاته واختلاجاته من توتره وحنانه ,ومن خوفه وهلعه.
اعلم انك امراة رابطة الجأش قوية. هكذا حكيتي عن نفسك في وسط الثورة. لست بهذا الضعف الذي قد يبدو. قرأت ما كتبتيه في احدي الرسائل عن ميلك الي صداقة الاصغر سنا وقد اشرت اليك سابقا بأنه ميل امومي غريزي لاحتواء الاخرين والعطف عليهم. بيت أني بت اعتقد انه ربما يكون جنوح التمرد والانطلاق في حد ذاته. ربما هو هروب من سنوات الحكمة القادمة لا محالة بكل ثقلها وبرودها.
اما انا يا عزيزتي فما زلت ارنو الي صداقة الاكبر مني سنا ما اراه وافسره انه شغف بالحماية وبحث عن الاحتواء. فلا تنزعجي لست انا ولست انت.لذلك كوني كما انت..ليس كما الآخرين
قررت انا لا تكون الرسالة للبوح وكشف العورات ولا لعقد المقارنات. لا شيئ يهم يا غادة حقا. الاهم هو ان ننجو معا وننجو بما بيننا من ان يتهشم, حتي لو اتسعت المسافة بيننا قليلا احيانا او كثيرا لاحيان اخري.
ربما ارغب ان اقول ان ما يبدو "نجومية" قد تفوق ضريبته ما قد يعتبر نفعا من تلك النجومية. وأن الامور ليست كما تبدو دائما . وان هناك دائما خلف الاكمة ما ورائها. لن استدر عطف احد سابني سياجا من الصبر والحكمة لأخفي تلك الجروح . ربما انشر بعد البثور والسخافة لاخيف الاخرين قليلا. وان هناك برودة دائمة تسري في ظهري ليس لها علاج.
لااريد ان ازيد سوي ان اخبرك ان جمهورية الوحدة تتسع اكثر من ما تظنين. وان محطات الفراق لا يمكن احصاؤها .. وان الحزن ليس له آخر. وانه يمكن دوما البدأ من جديد. ان قليل من الحقد الحقيقي افضل من المودة الزائفة.
كوني بخير..
البوسطة...فيروز

الخميس، نوفمبر 01، 2012

في بيت جدي.





كانت ابنة عمتي ترتدي فستانا منقوشا بزهور بديعة ملونة ,و كنت أرتدي شورتا صبيانيا قصيراً شعري مقصوص ايضا بشكل قصير جدا. يتجمع متموجاً فوق راسي أما أبنةعمتي فينسدل شعرها الناعم علي جبهتها مغطيا جزءا منها.اعطتنا جدتي كراّستين للرسم وذهبت الي المطبخ لتجلب لنا"الايس كريم".
الجوكان حارا, كنت اظنه اغسطس او ربما يوليو, المترو الذي تطل عليه غرفة الجلوس يهز البيت هزًا خفيفًا.حين يقترب من النافذة متجها الي المحطة القريبة, شعرت يومها ان ريقي حار جدا نظرت للوحة المعلقة وثبت نظري عليها,حاولت ان ارسمها لكني تحولت الي رسم ابنه عمتي دون اسباب واضحة ,كانت تصغرني باربعة اعوام اي انها كانت في الرابعة. رسمتها منهمكة في البكاء ووجهها متدلي الي اسفل كأنها تحمله بيدها. بينما قطرات الدموع تتساقط علي صفحة الورقة علي شكل نقاط سوداء ضخمة
جاءت جدتي من المطبخ اعطتنا البسكوتات المخروطية الشكل  اخذنا نتابع الرسم ونلعق الايس كريم..فجأة انزلقت الكرة الباردة المثبتة في فخذي فلوثته.احسست بحرج بالغ  امرتني جدتي ان اذهب لاغتسل غسلت رجلي وبللت اطراف الشورت القصير فشعرت بالخجل من نفسي. كانت ابنة عمتي تبدو اجمل كثيرا بفستانها النظيف المنفوش وشعرها المنسدل. كنت ابدو كصبي ارعن لا يجيد شيئأ كانت جدتي تحنو كثيرا علي  ابنة عمتي التي ماتت امها فكسرت قلبها ,وتركت لها رضيعة يتيمة, بينما كانت تحنو علي بشكل اقل لان ابواي مطلقان فقط!هكذا هي قسمة البشر ان يحصل ابناء اليتم علي نصيب اكبر من ابناء الطلاق. انتهيت من الرسمةرأت جدتي ما رسمت فوبختني بعنف شديد: راسمه "اسمت" بتعيط ليه؟ يا رب ما تعيط ابدا.ً
 دفعت الورقة في صدري ثم قالت ارسميها تاني...ارسميها بتضحك!
 اخذت ارسم مرة ثانية وفشلت كنت اشعر بخزي شديد كم هي الحياة غير عادلة بعضنا يحصل علي شعر طويل مسترسل يغطي جبهته وام ميتة. والاخرين لا يحصلون الا علي هيئة صبيانية واباء مطلقين!
 جاء جدي من الخارج كان يبدو فلاحا مهيبا طويل القامة اخضر العينان. يرتدي بذلا صيفية انيقة ويمسك احيانا بمنشة لطرد الذباب عنه.فقال لنا مداعبا :ايه الاخبار لم يكن ليلمس احدانا لا اتذكر لمسته في الحقيقة ولكن اذكر كفيه الضخمتين. وقف جدي امام الحوض ليغسل وجهة واسنانة.اخرج جدي طاقم اسنانه ومرره تحت الماء غسله بالفرشاة والمعجون ثم اعاد وضعه في فمه مرة اخري
!
كان هذا حدثا خارقا لي حاولت نزع اسناني مرارا وفشلت حاولت ان ابصقها مع الماء او احركها يمنه ويسرة لعل بها  حيلة لاخرجها وفشلت. جدي الخارق هو الوحيد الذي يستطيع اخراج اسنانه من فمه.. لم اكن اعرف انها نهاياته بعد ان سقطت اسنانه جميعها.
 جلست جدتي في الصالة  تقطع قرون الفاصوليا الخضراء بينما الخادمة في المطبخ كانت جدتي ذات الاصل التركي بضة وجميلة ونظيفة الرائحةامراة مثيرة لكنها .كانت حادة الذكاء تضع بجوارها دوما البّدارة ماركة الخمس خمسات  وماء الكلونيا من نفس الماركة.تراقب جدتي الخادمة واحيانا تدس عليها بعض اعواد الثقاب تحت طاولة السفرة لتعرف هل مدت الخادمة يدها ونظفت الارض كلها ام جزءا فقط منها.ولتعرف هل تكذب الخادمة ام تقول الحقيقة. احببت جدتي رغم قسوتها في ذلك اليوم الذي لم اغفره لها. لم اغفر لها حنانها علي ابنة عمتي. لم اغفر لها ان شعري قصير. لم تفهم وجعي. لم يكون بامكاني ازاحةخصلات وهمية علي جبهتي كما لم يمكنني ازاحة امي لاحصل علي جدتي!
مات جدي بعدها في غرفة صغيرة علي سرير صغير استبدلته جدتي مع الوقت بمكتبة اختفي جدي كما اختفت عمتي. رحل العملاق المهيب لنزرع خلفة مكتبة ورفوفا للاسطوانات الموسيقية التي يعزفها عمي الشاب. بقت جدتي بعده وحدها لسنوات وكأسرة برجوازية اللي حد ما لم نعبر عن فداحة الرحيل بصراخ وعويل وجلسات عزاء  تمتد كثيرا. كان الرحيل هادئا وقورا.
 سنوات اخري ورحلت جدتي ايضا ثم لحق ابي باخته وابيه.. لم تعد اللوحة موجودة علي الحائط لم يعد يعطينا احد الايس كريم.صرت صديقة الان لابنة عمتي شعري اصبح اكثر طولا يمكنني حتي ان اجعله يلامس وسطي . بينما فضلت ابنة عمتي ان تقصه قصيرا. الان هي اكثر شبهها بجدتي  بضة وجميلة مثلها كأنها  نهلت من روحها. وانا اصبحت اشبه جدي مهيبة  قوية الشخصية اتظاهر بقسوة القلب ورثت لون عينيه وحدّته. لكن لا يمكنني ان اخلع اسناني بالطبع..
يا نجمة الصبح - سناء موسى