الجمعة، يوليو 18، 2014

علاء خالد.. كروح خفيفة تنتقل بهدوء من مكان إلى آخر



طالما اعتقدت ان للانسان نصيب من اسمه, من شكل حَاجَاته, أو ملابسه, أو موسيقاه المفضلة,   وكذلك من كتاباته ومن  عناوينها, من اختياراته الفنية.
في اي مكان في  الاسكندرية  يمكنك ان تصادف علاء يكتب  على أحد المقاهي , او  يرتشف الشاي مع مجموعه اصدقاء,في وسط البلد او المنشية او في ايليت  اي مقهي علي الكورنيش, أو يجلس  علي الرصيف  في" عز" الثورة مع زوجتة الرقيقة الرسامة التشكيلية التي بالكاد تسمع صوتها,    مع الجالسين علي الارض يشق صيامه, امام مقهي "شكري" في سيدي جابر قد يعطيك قطعة حلوي او كوب شاي بود بالغ,   ننتظر تعباوملل ربما يحل علي  احد الجالسين بالساعات  علي كراسي المقهي_في انتظار الحرية _ليفسح مكانا لنا لننال قسطا قليلا من الراحة
 يعترينا الاجهاد بسبب الجلوس  علي الارض او الوقوف الطويل, ثم يعزم عليك"علاء " بوجه بشوش  بالمقعد الخالي ليقف هو  بعيدا مع  احد الشعراء او الكتاب او صديق, يتبادل معه الحديث  تحت وطأة حميمية اللحظة وصدقها, يمكن ان ايضا ان تصادفه في افخم قاعات مكتبة الاسكندريةفي صحبة ثلة من شعراء العالم من المانيا وصربيا متحدثا عن  موضوع من المواضيع الكبري  كالهوية!.
 وفي نفس الوقت يمكن ان تجده حاضرا علي منصة احتفال مجموعة من الكتاب الصغار والمغمورين في احتفالهم  بانتهاء ورشة كتابة تعلموا فيهااصول صنعة الكتابة الادبية,  بتواضع جم!
 علاء روح خفيفة تنتقل بهدوء  كريشة طائر من مكان الي اخر كأسم روايته !
اعرف علاء كاشهر كتاب الاسكندرية , اعرفه كرئيس تحرير مجلة" امكنة"  ومن في الاسكندرية يحب الكتابة ولا يعرف "أمكنة"؟!
 انها الاصدار الادبي الاول في المدينة الذي يحتفي بالمكان وبحكايات البشر, كما تحتفي روايته , اعرفه كثائر هادئ, ربما لا تري الا الوداعة في وجهة حين يجلس علي الرصيف, لكن يمكن ان تميز بسهولة الغضب الهادر حين يحدثك عن هؤلاء المجرمون الذين يغتالون حقنا في رؤية كورنيش البحر عندما يبنون فنادقهم العالية,او يغتالون حقنا في الجمال  حين يهدمون تراثنا العريق!!
 وكأن مسلسل "الراية البيضاء" للعظيم اسامة انور عكاشة _وكأنه مسلسل سرمدي صالح لعشرات السنوات .حيث المدينة  ما زالت تئن امام القبح المستديم, واخيرا اكتشفت صلة صداقة عائلية قديمة لا تثبت الا طيب الاصل ودماثة الخلق
ككاتب وشاعر, ابحث واحب جدا وجود المراة في النص, حين يقول علاء:" بروح شابة تنظرين الى يدك المسنة بدهشة كأنها ليست لك وان هذه التجاعيد تخص امرأة اخرى، أفنت نور يديها في غسيل الملابس والصحون يد عمياء تتحسس طريقها الى التراب قبل العملية بقليل نزعت خاتمك وابتسمت كموظف يستريح بعد ان يسلم آخر عهدة له"  اشعر انني المعنية تماما بالنص, اشعر بجسدي علي طاولة العمليات اللي تمددت عليها  من عامين!
أو حين يقول" بغيابك نقصت حجرة من حجرات البيت, اصبح مائلا ناحية الموت كم سنة احتاج لاعدل الميزان, لابني حجرة اخري من الذكريات
 ليس المكان وحده الذي يحتفي به علاء خالد بل التفاصيل ايضا فلا يكف عن ادهاشك بكل تلك المُنمْنمَات الحَمِيمِية فيقول"
(العلبة الصدف،/ التي كانت تحوي العشرات من الأزرار الملونة،/ الآثار الحية لملابس تفرقت في دورة أخرى للاستهلاك/ حياتي أصبحت مثل أزرار هذه العلبة/ يمكن أن يُعاد استعمالها/ أو تُترك هكذا كخزانة لمجد العائلة/ أو تنسى/ كمومياء غير ملكية./ كلما فقدتُ زراراً من ملابسي/ كانت أمي تبحث في تلك العلبة/ لا يخيب الرجاء/ تملأ هذا السطر الفارغ/ وتترك خيطاً معلقاً في فمها/ هذا الطرف البعيد،/ الطرف الغالي الذي تسلقت عليه الطفولة" في الابحار في كتابة خالد لا يمكن ان تجد إلا روحا شغوفة بالحدوتة الصغيرة. المنمنة كقطعة حلوي تجمع الالم والجمال, ترسم المشهد بصبر بالغ مطعما باللقطات الصغيرة المُكملة يعرف علاء هذه الميزة جيدا فيفسر ذلك:" فى فترة من حياتى ركزت فيها على شحذ موهبتى فى التقاط الأشياء الدقيقة . لا أتذكر بالضبط كيف اكتشفت فى نفسى تلك الموهبة إلا بعد احترافى الكتابة ، بدأت تظهر لى القيمة التى تحتفظ بها تلك الأشياء ، وأتذكر كلام احدى السيدات . قرأت ديوانى الشعرى ، وقالت لى ما معناه أن الأشياء الدقيقة وملاحظتها تخص المرأة أكثر من الرجل . تعنى أن الحميمية التى تعطى لهذة الأشياء الحياة تنشأ غالباً من التصاق المرأة بعالمها الصغير ، جسدها ، غرفتها ، حتى تلك الأشياء التى تتزين بها تساهم فى تجزىء هذا العالم وإسباغ مزيد من الدقة عليه . أما الرجل فنظرته كلية إلى عالمه المحيط ، لأن مشكلته الأساسية هى كيف يثبت نفسه لا أن يتأملها هى والعالم المحيط بها . أعدت التفكير فى هذا الكلام وجدت به بعض الصحة ، وهو ارتباط الدقة والتفاصيل بمسحة أنثوية ، تبغى بث الحميمية فى العالم الصغير المحيط بن"ا
خالد  روح خفيفة في عالم الادب وفي الاسكندرية المدينة التي تصارع الانقراض والذوبان كل يوم,  روح تحتفي  بود  بكل ماهو حميمي وصادق وانساني روح خفيفة تنتقل بين جنبات المدينة ومقاهيها كانها ريشة طائر او نسمة عابرة او موجة صيف ناعمة.
 عن البحر يقول خالد"لقد بنت الإسكندرية أحلامي، أو كانت سبباً في تكوينها وشكلها وملمسها ورائحتها. سنوات لم أفارق فيها البحر كآخر صامت يتم تبادل حوارات مختلفة معه. لقد أمضيت سنوات كنت أجلس فيها على البحر، أقرأ كل شيء، شعرا، وروايات، وفلسفة. بين كل صفحة وأخرى تستوقفني عبارة، عندها أرد الجملة الجميلة أو الملغزة أو الصادمة أو الغامضة أو المركبة إلى البحر. أردها إلى صورتها الأولى، وهو سيقوم بالباقي، سيضعها في مكانها لتعود إلى من جديد وقد زال بعض غموضها، أو حدتها. البحر كتاب واسع أو قاموس كوني للمعاني.."
 المدينة هي لخالد  ككل السكندريين مصدر الهام فني  وانتماء وحميمة مثلما المرأة تماما"لكن الصورة النمطية عن شعراء وقصاصين  رواد  وعابرين علي شاطئ هذه المدينةدشنوا في محبتها وبين طرقاتها وازقتها ومقاهيها الحكايات تلو الحكايات وحاكوا انواع الفنون,لكن تلك الصورة ليست دائما "جل الحقيقة" يقول خالد" هذا البحر بعد أن ينحسر هيجانه عن البيت، كان يخلف وراءه ملوحة مقبضة، نستشعرها جميعا في حلوقنا" فالبحر  ايضا نبع غضب وفورة قسوة, لا يعرفها العابرون عليه بسرعة لكن يخبرها فقط الذين خبروه وعاشوا تقلباته بين الحنان والعطاء والقسوة والصَلف  مواسم تلو مواسم.

نشر هنا.

قراءة في رواية" ترانس كندا" لسماح صادق



تبدو "سماح صادق" عبر سطور روايتها, كرسامي البورتريهات الذين يقفون في ميادين المدن الـأوروبية القديمة وفي زوايا مراكزها التجارية, فبسرعة وخفة لا تخلو من حذَق وبراعة, تبدأ سماح روايتها الاولي ـ بعد تجاربها الشعرية السابقة ـ في رسم مجموعه من البورتريهات لشخوص روايتها وابطالها الرئيسيين, "نهي، ايمان، يوسف، هاني، حلا".
بعد ذلك تلج إلى صُلب روايتها تبدأ من طفولة ايمان البطلة الرئيسية, في إحدى المناطق الشعبية بين أم وأب علي خلافات شديدة,لا تفهم الصغيرة سبب تلك الخلافات لكنها تلهو علي سطوح بيت الأسرة, تلعب مع صديقة طفولتها لعبة" أم المُحمّدات" وهنا تروي سماح  مشاهد من طفولة عذبة وشجية مليئة بالبراءه والتفاصيل الحميمة، حيث تقوم إيمان وصديقة طفولتها, بلعب تمثيليات بسيطة تلعب الصغيرات تلك اللعبة في بلادنا لتسلية انفسهن, ثم تنتهي تلك المرحلة بموت مفاجئ للأم التي تحرق نفسها بالكيروسين كعادة النساء في المناطق الشعبية, لعنة المصريات, وطريقتهن للخلاص من قسوة الحياة، ويستدعي هذا المشهد الذي رسمته سماح بحرفية مشهد احتراق "سيمون" في فيلم"يوم حلو ويوم مر" الذي أخرجه القدير خيري بشارة.
تتوالي المحطات التي تنتقل اليها بطلة "ترانس كندا" من مدينة الي اخري ومن علاقة الي علاقة اخري, وبين الانتقال والانتقال الذي يليه تعتمد "صادق" تقنية الفلاش باك, بين الماضي والحاضر لتتوالى الأحداث بخفة وتماسك شديد، ولتحوذ علي انتباه القارئ بشدة, وتأسر مشاعره تماما مع شخوص الحكاية .
 في تلك العلاقات العابرة علي الروح والجسد تقول "صادق" انها حبة القمح التي تسد جوع الآخرين " وهي الجملة الختامية  التي اختارتها  كغلاف خلفي للرواية، وهو اختيار موفق يعبر عن هذا الجوع الانساني للآخر الذي لا يزيده إلا ألماً وشجناً.
بين يوسف ابن رجل الأعمال وحبها الأول والاخيرالذي تقابله او تسعي وراءه في كندا,ت قابل يوسف المغترب الهارب من مصر من جريمة قتل, الذي يسقط في براثن الادمان, ويحلم بالتطهر من جريمته,حتي بأن ينال نفس مصير ضحيته بالموت في حادث سيارة, وكأن "كارما" تطهرية  تضع حدا لحكايته ولحكايتهما معا.
ثم هاني المتزوج من ديان الاجنبية التي تشاركه البيت والـ"بيزنيس", في تلك العلاقة الثلاثية تتورط ايمان في علاقة جسدية مع هاني, بعلم ديان ورضاها إذ تستسلم كي لا تفقده, واحدة من اشد العلاقات تعقيدا, الثالوث الملعون الزوج والزوجه والعشيقة.
وبالتوازي مع تخلص "ايمان" بطله ترانس كندا من جنينها تسعي نهي البطلة الموازية لايمان المصرية المغتربة هي الاخري  للحمل صناعيا من زوج عنين ارتضت ان تكمل معه مشوار حياتها بعد نزوة قصيرة وعابرة,مرة ثانية تلعب صادق لعبة المد والجزر ولكن ليس بين الماضي والحاضر لكن بين تصاريف القدر الذي يمنع ويمنح!
تستقر "ايمان" بين يدي زوج غربي اشقر بارد العيون والمشاعر, تبقي معه بعض الوقت لتحصل علي اوراق قانونية, لا تري غضاضة ان تتركه بعد حصولها عليها, تقدم لها جسدها  مقابل الاوراق, وتشعر  بخسارة الصفقة علي روحها!
 لغة الرواية بسيطة وغير متقعرة , منسابة بهدوء مخيف, غير معنية بجماليات شعرية, او بتقديم رؤي فلسفية ولا اطروحات ايديولوجية علي لسان الابطال, انها لغة الوجع الانساني البسيط والمبهر في صدقه وعفويته, اما البناء السردي الذي اعتمد علي المراوحة والمراوغة بين الماضي والحاضر وعلي نظم المشاهد بين الماضي والحاضر وكأنها اوراق كوتشينة يحركها  لاعب بارع. يرغب دوما في القفز فوق الخسارات المتلاحقة  رافضا الاستسلام.
حلم "ايمان" النهائي هو بيت صغير في كندا، الاغنية التي شدت بها فيروز وصارت حلما  للمغتربين, بيت هادئ جميل هو ما ترغب "ايمان" في الحصول عليه في النهاية, بعد ان تستسلم وتعرف أنه لا أحداً قادر علي مداواة وجعها ولا حتي سد جوع الروح والجسد.
ترانس كندا هو مجموعة الطرق التي تربط المدن الكندية بعضها ببعض, هو مجموعه المحطات الانسانية والمكانية التي تمر بها البطلة وفي حين تبدو  محطة النهاية في آخر لنص مراوغة، تترك ذهن القارئ مشغولا باسئلة كثيرة حائرة، هل  البيت الاخير هو النهاية ام ان المحطات ما زالت  متتالية والرحلة ما زالت مستمرة؟.

الأربعاء، مارس 26، 2014

فتاة المصنع.. والمجتمع الذي يسحق وجوه الجميع


منذ اللحظة الأولي  لفيلم "فتاة المصنع" للمخرج محمد خان لا يصعب ملاحظة أن العمل الفني البديع  يقع  بكل عناصره الفنية والإبداعية تحت سطوة أسطورة السندريلا الراحلة "سعاد حسني" ليس فقط من حيث الإهداء إلى روح الراحلة ابتداءً, إنما مروراً بأحداث الفيلم إلي شخصية البطلة الرئيسية وشكلها وظروف حياتها الاجتماعية والاقتصادية, والتي تتشابه إلى حد كبير مع صورة سعاد حسني وشخصيتها في  فيلمي "أميرة حبي أنا" و "خلي بالك من زوزو".
هل اضعف هذا الرضوخ للأسطورة التي لا يقاوم سحرها الفيلم أم قوّاه وزاده ثقلاً ورحابة. هذا ما تحاول السطور القادمة  الإجابة عليه..
الفيلم يعرض لقصة حب تقليدية  بين "هيام" الفتاة البسيطة والجميلة المفعمة بالحياة والرغبة في التحرر والحب ممتلئة بأحلام الزواج وارتداء الثوب الأبيض والفارس الوسيم الذي سينتشلها من وضعها الممل والبائس, ولا يخفي علينا  حتي  نفس الوزن المستخدم للاسمين, سعاد وهيام احلام عادية ومشروعة  لا تتضمن شبهة استغلال !._ وبين مهندس يعمل في  نفس المصنع الذي تعمل به!
 بداية يضعنا المخرج علي ابواب القصة العاطفية. و الازمة التي تخلقها الفوارق الاجتماعية والطبقية. تلك الفوارق التي يختار"خان" ان يحيلها الي فارق التعليم بين فتاة شبه اميه  تقيم في منطقة عشوائية مع امها " سلوي خطاب" وزوج امها وبين شاب مهندس لا يبتعد  كثيرا  في  الطبقة الاجتماعية من حيث الوضع الاقتصادي.
 وهو ما تأكده زميلة "هيام"   في المصنع قائلة:" اومال يا اختي لو كانوا ساكنين في مصر الجديدة!" حين تصدم بنفور والدة  المهندس من  التقارب العاطفي بينهما. قصة حب قصيرة جدا  لا تكاد تنمو حتي تنطفئ سريعا, في البدايات الاولي  الحالمة تسير هيام في شوارع القاهرة  فتصدح في الخلفية سعاد حسني "بمبي.. بمبي.. الحياة بقي لونها بمبي".
 تتوالي الاحداث ينفر الشاب  المهندس من "هيام" ويلفظها سريعا  محطما قلبها بعد قبلة سريعة وعابرة لا تعني له اي شيء علي الاطلاق اخذها في مطبخ بيته في غياب والدته, بينما تعني لها كل شيء, تعتبرها مفتاحا الي عالم جنتها.  وتواجه "هيام" المهندس في احد الكافيهات   ليخبرها انها يجب ان تبتعد عن طريقه,  وتخبره انها منحها قبلة, كأنها قبلة “الحياة" يزيد في طعنها في كرامتها وشرفها, فتخبره انها ندرت ان ترقص في زفافة, ثم تمر خارج المقهى مظاهرة  اعتقد في ظني انها اضعف مشاهد الفيلم  تمر المظاهرة هاتفة "عيش حرية, عدالة اجتماعية" وقالوا صوت المرأة, عورة وصوت المرأة هو الثورة"!
 لم يكن  الفيلم بحاجة الي هذه الاشارة الواضحة القوية علي  ازمة العلاقة المبتسرة والمبتورة بين  "هيام" والمهندس المتعلم,  في مشهد شديد المباشرة, حيث  العدالة الاجتماعية _علي الاقل بالمفهوم الاقتصادي والطبقي _ ليست السبب الاساسي لبتر  قصة الحب تلك, بل فوارق التعليم, وكأن المجتمع اختار  أن يقسم نفسها  افقيا   حسب المستوي التعليمي  مثلما  قسم  رأسيا بالوضع الاقتصادي. تهيم في شوارع المحروسة  لتظهر "سعاد"  في الخلفية مرة اخري لتغني شيكا بيكا" وكأن كل اغنية لسعاد   رسالة صالحة ان المعاناة   حية لا  تنتهي ولا تبرد نارها كجسد الفتاة "هيام" الغض ذو الواحد وعشرين ربيعا, وكان روحها تصاحب  روح كل بنت ولدت في الحارة البائسة .
 تبقي هيام في اخر سلالم المجتمع اجتماعيا وعلي هامشه  اقتصاديا تواجه جور المجتمع ويحسب للفيلم بشدة ان العسف علي البطلة  تمارسه عليها نساء  المصنع أي الزميلات والصاحبات, ونساء العائلة اي الجدة والعمات,   واخت المهندس وامه  في دائرة كبيرة بادئ ذي بدأ , ثم  تمارسه عليه دائرة اخري ذكورية متمثلة في زوج الام والأخوال _بدرجة ثانية_. الذين يسعون الي اجبار المهندس علي عقد قرانه علي الفتاة البريئة المتهمة في شرفها,  والتي لا تظهر  براءتها الا و هي علي مشارف الموت.
و تعاني "هيام" من تحطم حلمها وتلوك زميلاتها في سمعتها  متهمين إياها بعلاقة آثمة مع المهندس الشاب لتواجه "هيام" عسف المجتمع وجوره مرة اخري  بعد المرة الاولي التي لفظها فيها المهندس واسرته, تواجه  النظرات  والاقاويل الظالمة , تواجه الجدة المخيفة التي تستدرجها مع اخريات من نساء الاسرة   لتوقع عليها عقابا قاسيا يزلزل انوثة وكبرياء اي امرأة  بقص شعرها, في مشهد بديع ادته ياسمين رئيس بطلة الفيلم باقتدار حيث تسيطر الجدة علي رأسها بوضع مشط قدمها الثقيل علي  خدها كما  يطأ المجتمع وجوه كل نساؤه ويطحن كبريائهن  للسيطرة علي الجسد الذي  ربما يحاول التمرد علي قيوده واغلاله.
القصة الموازية الثانية  في الفيلم والتي لا تقل  ابداعا وألما, هي قصة الخالة المُطلّقة(الممثلة سلوي محمد) التي تربي ابنة وحيدة وتعاني الحرمان الجنسي والعوز والفقر والحاجة المادية ومن تحرش زميلها في  مكان العمل,  ونكتشف انها نعمل "خادمة" لتعيل ابنتها ماديا حيث ان الطليق لا ينفق عليها, تواجه الخاله ايضا عَسف وجور ابنتها المراهقة التي تشك في سلوكها  وتحاصرها بالاتهامات والظنون, حتي تنفجر الام لتخبرها بحقيقة عملها ومصدر رزقها وهو  العمل في خدمة المنازل لتهرب الابنة من الام في مشهد شديد النعومة والقسوة وبالغ الدلالة ايضا _علي  نوع اخر من القمع النسائي الذي تمارسه  المرأة علي بنات جنسها, وهنا تقمع المراهقة  الام  التي تواجه كل اصناف الحرمان!
التماس مع "خلي بالك من زوزو" انا ظهر جليا في مشهد النهاية حيث "هيام" ترقص في فرح المهندس  بفستان طويل  خالعه   ايشاربها لتظهر بشعر قصير  نتيجة لعملية العقاب التي تعرضت لها , ترقص هازئة من الحبيب الغادر قاسي القلب هازئة من اوجاعها من انكسارها من احباطها,  لنتذكر سعاد وهي ترقص بديلا عن نعيمة الماظية امها التي ادت الدور باقتدار الراحلة تحية كاريوكا, ترقص لزميلات المصنع  في رسالة ان الحياة  بكل قسوتها لا ينبغي ان تهزمكن ولا تكسر ارادتكن ,  ادت ياسمين المشهد ببراعة  تحسب لها بعد مشهد قص الشعر  وكأنها ارجأت  اظهار موهبتها  الي النصف الثاني من الفيلم , في النصف الاول   هي مجرد  رقم من ارقام فتيات المصنع, وتنفجر كتلة من المشاعر والاحاسيس في مشهد الكافيتيريا حيث قمة الحرفية.   في حركة والذقن المرتعشة, والصوت المتحدي المختنق والروح الحزينة!
 وحش التمثيل "سلوي خطاب"  المتعملق يوما بعد يوم "سلوي ادت دور الام  التي تتقلب بين  الخوف والحزن علي ابنتها وبين اللبؤة التي تحاول حمايتها من   انتقام عالم الرجال,  الصديقة مفاجئة الفيلم الفنانة ابتهال السريطي ادت دورا سرقت فيه الكاميرا لنري وجه جديد ومعبر وقوي دون افتعال وبفطرية شديدة ,  ستايليست الفيلم  اختارت الازياء بعناية بالغه    لتخدم سيناريو قوي ومحكم وشديد التماسك.
 فيلم من افضل من تشاهده علي الشاشة الفضية فيه  يطهر المجتمع ذاته "فقط" عبر أجساد نساؤه  وبختن احلامهن بعد اجسادهن, الفيلم ايضا لا يحمل خطابا ايدلوجيا عالي الصوت، عدا مشهد المظاهرة،ودون خطاب نسوي حقوقي زاعق يستسهل اتهام الذكور، بل يبدأ بدائرة القمع الاولي النسوية, و دون ابتزاز للعواطف, حيث السياق الطبيعي والحقيقي لحياة البطلة نموذجا ونساء الحي والمصنع  هي عينة لما تفعله الضغوط الاجتماعية والطبقية والثقافية علي النساء في هذا البلد  فتطأ وجوههن وتسحق كرامتهن
منشورة في موقع الكتابة العربية هنا

فلسطين من البحر للنهر_يوم التدوين ضد اسرائيل

] دبكة جبران_حفل باريس