طالما اعتقدت ان للانسان نصيب من اسمه, من شكل حَاجَاته,
أو ملابسه, أو موسيقاه المفضلة, وكذلك من كتاباته ومن عناوينها,
من اختياراته الفنية.
في اي مكان في الاسكندرية يمكنك ان تصادف
علاء يكتب على أحد المقاهي , او يرتشف الشاي مع مجموعه اصدقاء,في وسط
البلد او المنشية او في ايليت اي مقهي علي الكورنيش, أو يجلس علي
الرصيف في" عز" الثورة مع زوجتة الرقيقة الرسامة التشكيلية التي
بالكاد تسمع صوتها, مع الجالسين علي الارض يشق صيامه, امام مقهي
"شكري" في سيدي جابر قد يعطيك قطعة حلوي او كوب شاي بود
بالغ, ننتظر تعباوملل ربما يحل علي احد الجالسين بالساعات
علي كراسي المقهي_في انتظار الحرية _ليفسح مكانا لنا لننال قسطا قليلا من الراحة
يعترينا الاجهاد بسبب الجلوس علي الارض او
الوقوف الطويل, ثم يعزم عليك"علاء " بوجه بشوش بالمقعد الخالي
ليقف هو بعيدا مع احد الشعراء او الكتاب او صديق, يتبادل معه
الحديث تحت وطأة حميمية اللحظة وصدقها, يمكن ان ايضا ان تصادفه في افخم
قاعات مكتبة الاسكندريةفي صحبة ثلة من شعراء العالم من المانيا وصربيا متحدثا
عن موضوع من المواضيع الكبري كالهوية!.
وفي نفس الوقت يمكن ان تجده حاضرا علي منصة احتفال
مجموعة من الكتاب الصغار والمغمورين في احتفالهم بانتهاء ورشة كتابة تعلموا
فيهااصول صنعة الكتابة الادبية, بتواضع جم!
علاء روح خفيفة تنتقل بهدوء كريشة طائر من
مكان الي اخر كأسم روايته !
اعرف علاء كاشهر كتاب الاسكندرية , اعرفه كرئيس تحرير
مجلة" امكنة" ومن في الاسكندرية يحب الكتابة ولا يعرف
"أمكنة"؟!
انها الاصدار الادبي الاول في المدينة الذي يحتفي
بالمكان وبحكايات البشر, كما تحتفي روايته , اعرفه كثائر هادئ, ربما لا تري الا
الوداعة في وجهة حين يجلس علي الرصيف, لكن يمكن ان تميز بسهولة الغضب الهادر حين
يحدثك عن هؤلاء المجرمون الذين يغتالون حقنا في رؤية كورنيش البحر عندما يبنون
فنادقهم العالية,او يغتالون حقنا في الجمال حين يهدمون تراثنا العريق!!
وكأن مسلسل "الراية البيضاء" للعظيم
اسامة انور عكاشة _وكأنه مسلسل سرمدي صالح لعشرات السنوات .حيث المدينة ما
زالت تئن امام القبح المستديم, واخيرا اكتشفت صلة صداقة عائلية قديمة لا تثبت الا
طيب الاصل ودماثة الخلق
ككاتب وشاعر, ابحث واحب جدا وجود المراة في النص, حين
يقول علاء:" بروح شابة تنظرين الى يدك المسنة بدهشة كأنها ليست لك وان هذه
التجاعيد تخص امرأة اخرى، أفنت نور يديها في غسيل الملابس والصحون يد عمياء تتحسس
طريقها الى التراب قبل العملية بقليل نزعت خاتمك وابتسمت كموظف يستريح بعد ان يسلم
آخر عهدة له" اشعر انني المعنية تماما بالنص, اشعر بجسدي علي طاولة العمليات
اللي تمددت عليها من عامين!
أو حين يقول" بغيابك نقصت حجرة من حجرات البيت,
اصبح مائلا ناحية الموت كم سنة احتاج لاعدل الميزان, لابني حجرة اخري من الذكريات
ليس المكان وحده الذي يحتفي به علاء خالد بل
التفاصيل ايضا فلا يكف عن ادهاشك بكل تلك المُنمْنمَات الحَمِيمِية فيقول"
(العلبة الصدف،/ التي كانت تحوي العشرات من الأزرار الملونة،/ الآثار الحية
لملابس تفرقت في دورة أخرى للاستهلاك/ حياتي أصبحت مثل أزرار هذه العلبة/ يمكن أن
يُعاد استعمالها/ أو تُترك هكذا كخزانة لمجد العائلة/ أو تنسى/ كمومياء غير
ملكية./ كلما فقدتُ زراراً من ملابسي/ كانت أمي تبحث في تلك العلبة/ لا يخيب
الرجاء/ تملأ هذا السطر الفارغ/ وتترك خيطاً معلقاً في فمها/ هذا الطرف البعيد،/
الطرف الغالي الذي تسلقت عليه الطفولة" في الابحار في كتابة خالد لا يمكن ان
تجد إلا روحا شغوفة بالحدوتة الصغيرة. المنمنة كقطعة حلوي تجمع الالم والجمال,
ترسم المشهد بصبر بالغ مطعما باللقطات الصغيرة المُكملة يعرف علاء هذه الميزة جيدا
فيفسر ذلك:" فى فترة من حياتى ركزت فيها على شحذ موهبتى فى التقاط الأشياء
الدقيقة . لا أتذكر بالضبط كيف اكتشفت فى نفسى تلك الموهبة إلا بعد احترافى الكتابة
، بدأت تظهر لى القيمة التى تحتفظ بها تلك الأشياء ، وأتذكر كلام احدى السيدات .
قرأت ديوانى الشعرى ، وقالت لى ما معناه أن الأشياء الدقيقة وملاحظتها تخص المرأة
أكثر من الرجل . تعنى أن الحميمية التى تعطى لهذة الأشياء الحياة تنشأ غالباً من
التصاق المرأة بعالمها الصغير ، جسدها ، غرفتها ، حتى تلك الأشياء التى تتزين بها
تساهم فى تجزىء هذا العالم وإسباغ مزيد من الدقة عليه . أما الرجل فنظرته كلية إلى
عالمه المحيط ، لأن مشكلته الأساسية هى كيف يثبت نفسه لا أن يتأملها هى والعالم
المحيط بها . أعدت التفكير فى هذا الكلام وجدت به بعض الصحة ، وهو ارتباط الدقة
والتفاصيل بمسحة أنثوية ، تبغى بث الحميمية فى العالم الصغير المحيط بن"ا
خالد روح خفيفة في عالم الادب وفي الاسكندرية
المدينة التي تصارع الانقراض والذوبان كل يوم, روح تحتفي بود
بكل ماهو حميمي وصادق وانساني روح خفيفة تنتقل بين جنبات المدينة ومقاهيها كانها
ريشة طائر او نسمة عابرة او موجة صيف ناعمة.
عن البحر يقول خالد"لقد بنت الإسكندرية
أحلامي، أو كانت سبباً في تكوينها وشكلها وملمسها ورائحتها. سنوات لم أفارق فيها
البحر كآخر صامت يتم تبادل حوارات مختلفة معه. لقد أمضيت سنوات كنت أجلس فيها على
البحر، أقرأ كل شيء، شعرا، وروايات، وفلسفة. بين كل صفحة وأخرى تستوقفني عبارة،
عندها أرد الجملة الجميلة أو الملغزة أو الصادمة أو الغامضة أو المركبة إلى البحر.
أردها إلى صورتها الأولى، وهو سيقوم بالباقي، سيضعها في مكانها لتعود إلى من جديد
وقد زال بعض غموضها، أو حدتها. البحر كتاب واسع أو قاموس كوني للمعاني.."
المدينة هي لخالد ككل السكندريين مصدر الهام
فني وانتماء وحميمة مثلما المرأة تماما"لكن الصورة النمطية عن شعراء
وقصاصين رواد وعابرين علي شاطئ هذه المدينةدشنوا في محبتها وبين
طرقاتها وازقتها ومقاهيها الحكايات تلو الحكايات وحاكوا انواع الفنون,لكن تلك
الصورة ليست دائما "جل الحقيقة" يقول خالد" هذا البحر بعد أن ينحسر
هيجانه عن البيت، كان يخلف وراءه ملوحة مقبضة، نستشعرها جميعا في حلوقنا"
فالبحر ايضا نبع غضب وفورة قسوة, لا يعرفها العابرون عليه بسرعة لكن يخبرها
فقط الذين خبروه وعاشوا تقلباته بين الحنان والعطاء والقسوة والصَلف مواسم
تلو مواسم.
نشر هنا.
نشر هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق