في رواية "الأفق" لموديانو يدور القارئ في شوارع باريس وحوانيتها ومقاهيها وفنادقها, يشعر بالنكهة الباريسية, و بزحامها, ، بالجماهير المُندفعة خارج محطة المترو, تضيعه وتبلعه , موديانو يقول أن باريس التي يعرفها اختلفت تماما. فباريس الحرب العالمية ليست هي باريس الآن،رواية الأفق سرد قاتم مضطرب عن الحنين للمكان والضياع الانساني الذي يبتلع البشر ،وقصص الحب والآمال والأحلام الكبري,. عبر بطليه الشابين" بوسمان" و"مارجريت" ، وهما في العشرينيات من عمرهما ،أما الزمان فهو ممتد من الحرب العالمية الثانية عبر اربعين عاما لاحقة. يلهث " بوسمان" في شوارع باريس هربا من مطاردة إمرأة ذات شعر أحمر ورجل دين يطلبان منه المال, ومعه "مارجريت لوكلوز "_ المولودة في برلين عاصمة الموت والدمار في الحرب العالمية الثانية_ والمُطاَردة من شخص مخيف يدعى "بويافال" كان لاعباً سابًقا في فريق التزحلق الفرنسي لكنه تعرض لحادث هؤلاء الاشخاص المخيفون يمثلون القسوة والحرب والالم , تنشأ بين الشابين قصة حب يكتنفها الخوف والتوتر ويحكم عليها القدر بالاستحالة, ويدور الشابان في دوائر من القلق والفزع. هذا الخوف يغلف ايضا علاقتهما, فحتي حين تشكو "مارجريت" لجوبوسمان من مطاردات "بويافال"لا تعطه اجابات قاطعة عن علاقتها به، فخمن أنها حجبت هذا الشخص في ضباب وأقامت بينها وبينه نوع من الزجاج الخشن حتي تستطيع التخلص من مخاوفها.. تنتقل مارجريت للعمل في عدة مهن وتسكن شقق وفنادق مختلفة , من مربية أطفال الي سكرتيرة وموظفة في مكتبة،ثم تترك فرنسا الي سويسرا لتعمل مربية لأطفال السيد "باغريان "وتخشى من توقيفها علي الحدود لانتهاء صلاحية باسبورها, انتقلت عند عدة مخدومين السيد فيرن من اوتوي ثم السيد" بوتريل"و بالتوازي يتعرف بوسمان علي السيد بوتريل الذي ألف كتابا بعنوان "نادي استارتي"عن أحد الظواهر الباريسية في العشرينات جماعة تدعي "مريدي المرأة المقدسة" وهي جماعة مهتمة بالسحر الاسود والتنجيم والممارسات الجنسية. تهرب مارجريت الي برلين مرة اخري و تقول مارجريت لبوسمان :" إنهم يعلمون أشياء عني لم أخبرك بها " و" إنهم حين يعتقلون أناسا مثلنا فانهم لا يطلقون سراحهم أبدا " يمر اربعون عاما ويتفرق" بوسمان" و"مارجريت" يجمع "بوسمان" بعد هذه السنوات مُزق الذاكرة ليصل الي حبيبته السابقة من خلال الانترنت, حتي يعثر علي عنوانها لا يتصل بل ينطلق الي هناك, هل يجدها هي نفسها.. هكذا تنتهي الرواية ، يكتب "موديانو" يحمله الحنين والبحث عن الماضي الذي يطارد الحاضر في كل لحظة، الحاضر الذي يظل رهينا للماضي واحلامه وانكساراته.. يتميز اسلوب "باتريك موديانو" الحائز علي جائزة نوبل بروح قاتمة سوداوية, وسرد محكم ينتقل فيه بين الازمنة بسهولة تظهر شخصياته في توقيت محدد لنعرف دورها في مسرح الاحداث لاحقا, وصفت كتابته بانها كافكاوية الطابع.. باريس نقطة محورية في أدب موديانو ، باريس الستينات المثقلة باجواء الحرب والملاحقات الأمنيه, يقال أن والده كان مطلوبا للسلطات في قضايا أمنية، ، وانه كان يقابله في المقاهي ومحطات القطارات والساحات التاريخية وهي الأماكن التي تعج بها كتابات موديانو , والتي قد تشكل صعوبة علي قارئ غير باريسي علي تخيلها واستيعابها, باريس المضطربة القلقة ، لاحقا قطع موديانو صلة بأبيه الذي بدوره اختفي بعدها. وصف موديانو بمساح المدينة وبان كتاباته أفضل دليل للمدينة، المراة أيضا هاجسا في كتاباته ومحرك هام لها فهي المدينة المفقودة التي تغيرت ملامحها الان وهي الحبيبة الضائعة لأبد. * باتريك موديانو: هو كاتب فرنسي من أصول ايطالية ، له عدة روايات اولها"ميدان النجم"فاز بنوبل للاداب 2014الأكاديمية السويدية قالت ان موديانو كُرّم بفضل فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الإنسانية الأكثر عصيانا على الفهم وكشف عالم الاحتلال. *نوبل: جائزة نوبل للأداب سنوياً من قبل الأكاديمية السويدية، لأي مؤلف من أية دولة على ان يكون لديه حسب قول ألفريد نوبل "إنتاج أكثر الأعمال روعة لنزعة مثالية وتعتبر البوابة الاوسع للمجد والانتشار |
القراءة منشورة بجريدة المقال.