أخبرتني صديقتي الصغيرة ذات الاحد عشرة ربيعاً انها سوف تستقل في بيت خاص لها حين تنهي دراستها الجامعية_ تعجبت من كلماتها جداً!
وسالتها لاي سبب؟ اخبرتني :ان" ده هو الطبيعي مش ها افضل عايشة معاكم علطول لازم اشتغل واصرف علي نفسي"! قلت لها :يمكن أن" تصرفي علي نفسك وانت في البيت معانا ". ردت انه "لازم اخدم نفسي واعتمد علي روحي وبعدين انا عاوزة اعمل مرسم وابيع لوحات وده ما ينفعش ف البيت!
الكلمات نزلت كمعول علي جدار قلبي ، لم اعرف كيف اواجهها ..الفتاة المرفهة تماما اخبرتني ايضاً ان علاقتنا"كويسة" وان هذا الانفصال لا يعني ان ثمة ما او من يضايقها في بيتي، وانها تحبنا كثيراً
لم ارد ابتزازها عاطفيا ولا الضغط عليها ،كان عبثياً ايضا ان اتحدث مع طفلة ما زالت تنام مع دميتها، وتحب الشيبسي المملح، لم تحض بعد حتي_ ان هذا العالم لا يتحمل فكرة امراة تعيش وحيدة! والحقيقة ان هذا العالم لا يزعجني انا ايضا ولا تلك الفكرة هي مثار قلقي॥
ما ازعجني ان الفتاة التي انتزعت من رحمي يوماً ما ستنتزع يوماً من بيتي ،ليس لانها سنة الحياة ان يصحبها رجل اللي بيته ليتزوجها ،ولكنها لانها تريد ان تستقل ، اللعنة انها تريد ان تذهب لانها خلاص كبرت، اي شيطان زرع تلك الفكرة في راسها ؟اي مسلسل عربي او غربي رأت فيه ان الفتاة يجب ان تذهب حين تنهي دراستها ؟الفتاة مغرمة اصلاً بكرة القدم وبرامج الكارتون، أنها ما تزال تحب الاسفنجة الغرسيب سبونش باب اي صديقة في المدرسة وسوست اليها بتلك الفكرة الشيطانية؟ هل اراقبها؟ يا الهي ما هذا الذي سانساق اليه؟ اي جهل وديكتاتوريه ؟ ماهذا السلوك القِططي الذي ساقوم به؟ الفتاة تريد ان تستقل لانها تريد ذلك ربما الفكرة من بنات افكارها وما المانع انه العصر الحديث ربما هي صرعة من صرعات المدينة الفتاة تريد ان تستقل اقبليها ببساطة الفتاة تريد ان تواجه العالم دون حماية "مامي"!تريد ان تجرب التحليق لتثبت انها صارت تمتلك جناحين!
قررت ان ان اجعلها تذوق مرارة ذلك الانفصال بنفسها وفداحة الوحدة، يجب ان تنفصلي في البيت يا صغيرتي من الان يجب ان تعرفي معني الوحدة من الان لن تاكلي معنا لا تشاهدي التلفزيون في غرفة المعيشة مع ابيكي، لا تتبادلي الحديث ،مع اختك الكبيرة من يستقل بحياته ياكل وحده ينام وحده، ولا يتحدث مع احد انها الوحدة انه ثمن الاستقلال!من الآن ابدأي التجربه।
، الصغيرة تنصاع وتحاول ولكنها تمل وتتذمرقليلاً ،اشعر بها تعاني وتعاند ايضا وكلما عانت وعاندت يتمزق قلبي من قوتها، وتضعف روحي من صلابتها، انتظرانهيارها في حضني اتوق الي استسلامها اتمني هزيمتها، اعرف انها مسألة وقت وانتظر وهي ما زالت تقاوم اخبرت ابيها الذي صدم !وهي من المرات المعدودة علي اصابع اليد التي اجعله حكماً ومعيناً فيما يطرأ بيننا غضب غضبا مكتموماً وتظاهر انه لا يعرف ما يدور، واخبرت اختها لتساندني وسارت الامور علي ما هي عليه لعدة ايام انا في حرب مع الصغيرة॥ اختارتها هي ولكني مجبرة لا يمكن ان اخسر الحقيقة ليس لان حياتها وحيدة هو ما يزعجني ،و انها ربما تحتاج نصيحتي او حمايتي وليس ايضا لان هذا العالم واسع ومخيف ،ولا هذا المجتمع قذرمع نسائه، ولا كونها بنت، ما يقتلني في الحقيقة انني انا من يحتاجها! وانني انا التي لن استطيع مواجهة العالم دونها وان فكرة انسلاخها واستقلالها عني ستقتلني حتما! ان شيخوختي القادمة لا محالة ستكون كابوسا قاتلا دونها، ان العالم الذي شيدته حول وجودها سينهار تماماً، شبح الوحدة المرعب لا يمكننيمواجهته، الانتظار اصبح قاتلاً،الفتاة تتمسك برايها وتاكل طعامها صامتة تخبرني في صمت انها تتحمل وانها قادرة॥ تحاول احيانا ان تكسر حصار الصمت فاتمسك به وازيده تشديداً! الصمت ضريبة الوحدة। لا ارد عليها واشغل ذاتي بتوافه الامور تارة اغسل اطباقا وتارة امسك كتابا او اتظاهر بوضع طلاء الاظافر،حتي تناولت مرة كوبا من الماء فاصابتني "شرقة" شديدة جرت الصغيرة لتخبط بكفها علي ظهري.قلت لها من يعيش وحيدا لا يجد من يسعفه اذا واجه شرقة في قليل من الماء وربما مات وحده، احتضتني الصغيرة اخيرا وانهارت في احضاني بعدحوالي ثلاثة ايام عجاف قائلة طبعا لا يمكنني ان " اسيبك لوحدك يا مامي خلاص انا ها اعمل لك اوضه في المرسم بتاعي عشان تعيشي معايا"!! بدا حلا عبقريا الفتاة ستترك البيت ولن تتنازل عن كبريائها ولن تتراجع عن استقلالها لكنها ستمِّن عليِّ وعلي نفسها ان اشاركها انا غرفة في بيتها الجديد، اخبرتها ان ابيها لا يمكن ان نتركه وحيدا في كبره ايضا اجابتني مبتسمة يمكنه ايضا ان يشاركني الغرفة التي ستمنحنا اياها، حسمت الامر اننا جميعا سننتسقل من بيتنا القديم لنعيش في بيتها القادم الذي ستشتريه بمالها، وافقت كحل وسط يرضينا كأمرأتين توقعان هدنه سلام، تبدأن في وضع اوزار الحرب،و تمكنني من احتضانها كل يوم ابتلاعها في روحي لو استطعت قبل ان ياتي يوم ربما اخسر فيه المعركة القادمة واوجة اشباح الفراغ المرعب والوحدة!