تدوّن الفتاة في صالة الاستقبال اسمي وسني واسم طبيبتي المعالجة . اصعد مع اسرتي الي طابق اعلي حيث 306 اخمّن انه بالضرورة الطابق الثالث..في المصعد الحديث اطرق رأسي , انتظر بصبر ,بينما تأتي ممرضة لتخبرني بضرورة نزع الاقراط والسلسة وخاتم الزواج ومشابك الشعر وملابسي وحذائي. التزم بتعليماتها لتأخذني علي كرسي متحرك بينما مازال يمكنني السير الي طابق اخر. شعري مجموع في غطاء للراس وجسدي داخل قميص الجراحة. تدفعني الي مصعد آخر في الغرفة الضيقة تجلس طبيبتي البدينة مستندة اللي الجدار تقول: ماكنتـــوش.
ترفع فتاة بملابس التمريض صوتها :ماكنتوش للدكتورة .يخرج الصوت خارج الغرفة :ماكنتــــــــــوش للدكتورة
تحضر اخري الحلوي السحرية للطبيبة البدينة!
يظهر طبيب التخدير يناديني باسمي مجردا: ازيك؟ اوع تكوني خوافّة انتِ زي الفل. يربت علي يدي بحميمية فانزعج قليلاً. احاول مداراة جسدي جيداً. يدس الكانيولا في احد الشرايين . تومض رأسي فجأة واتذكر دروس المرحلة الاعدادية الشرايين تدفع الدم المحمل بالاوكسجين اللي القلب اما الاوردة فتحمل ثاني اكسيد الكربون.حلقي جاف كأرض بور.واتمني ان اعود الي ابنتيّ سريعاً. اخبر الطبيبة أن"خلي بالك مني"
لم اشم الكافور من مدة..العطرشان لم يصلب طوله في اصيصي بعد. لم اتذوق التوت الابيض من زمن ونسيت موسمه !
الخوف وحش عملاق .انا حقاً خائفة.حمدت الله اني لم ادس خطاباً لزوجي بين طيّات القمصان .راودتني تلك الفكرة في الليلة السابقة او ان ارسل له ايميلاَ ربما يكون الاخير يتذكرني به ان لم انجو. تراجعت في اللحظة الاخيرة . شعرت انها فكرة حمقاء وانانية. ان رحلت فلارحل بصمت .ودون ان اعذب الاخرين ان لم استطع حمايتهم من الفقد.
اشعر فجأة ببرودة في كف يدي كانها غمست في الثلج بعد ان دفع طبيب التخدير بالمحقن في الكانيولا . تسير البرودة في شراييني الي القلب فجأة اشعر بقلبي كانه قطعة من الجليد...قلب من الثلج !تنطفي الاضاءه الحارقة في مواجهتي واغفو تماماً..
يمر وقت.. يعود عقلي ليشتعل مرة ثانية كمصباح كهربائي.أسمع جيداً اصوات ثلاث فتيات يمكنني تمييز اماكنهن حولي وانا مغمضة العينين.مازلت لا استطيع فتحهما. اثنتين بجوار قدمي وواحدة علي مسافة ابعد. الفتاتان تضحكان وتلهوان وتركضان خلف بعضهما. تدفعان السرير"النقالة" الذي ارقد عليه؛فاشعر بالالام رهيبة تمزق جسدي وجروحي الطازجة. احاول تنبيههما أن لا يتسببا في تحريكي.واستطيع تمييز رائحة المكان ايضاًَخليط من محاليل التعقيم وغاز الفريون البارد جداً. واستطيع تمييز أننا تقريبا في الطابق الرابع من خلال ارتفاع الصوت القادم من الشارع _يكاد يكون خافتأغير مسموع_ادخل مغمضة العينين ,مشتعلة الحواس الي المصعد. لاعود الي غرفة الافاقة مرة ثانية. بجسد مهزوم وعقل مشتعل اتذكر "هيو جرانت" في فيلم( اكستريم ميجر) حين اوهمه طبيبه انه اصيب بالشلل ليدفعه للاستسلام لافكاره الخاصة بعمل تجارب علي الفقراء لشفاء مصابي العمود الفقري الذين قعدتهم الاصابة عن الحركة ولا يكتشف الخديعة الا حين يحاول أن يهش احدي الذبابات عن يده ليكتشف ان يده تتحرك احاول استعادة المشهد.
استطيع بعد دقائق سريعة تحريك كفي و قرص الممرضة من ذراعها فتقترب مني غاضبة
اهمس بحدة:بطلي هز السرير!
في البيت ابدأ في التعافي سريعاً. قليل من متاعب الجسد تاخذ وقتها. بعض الجروح ما زالت حية. واتلقي دفعة من الاخبار السيئة.يحطمني الحنين الي زوجي الذي لن يعود قبل اسبوع آخر والي ابنتيي الغافيتين بجواري.انتظر مكالمة هاتفية لم تأتي.اتابع اخر الاخبار ولا جديد اشتهي اغفاءة اخري اطول ليتسرب كل هذا السوء والوحشة والخوف من ثقوبها